28 Jan 2016

القادة في مجال الرعاية الصحية ٢٠١٦

أصحاب السعادة،
الضيوف الأكارم،
السيدات والسادة الأفاضل،

أسعد الله صباحكم وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً، وكم يسعدني أن التقي بكم، أقطاب قطاع الرعاية الصحية والطبية الأفاضل، وقد اخترتم مرة أخرى إمارة دبي لعقد فعاليتكم السنوية.

ينصب اهتمام الرعاية الصحية هذا العام على مفهوم الطب الشخصي، والذي غالباً ما يسمى بالطب الدقيق أو الطب الفردي أو الطب المخصص، بل وفي بعض الأحيان الطب حسب الطلب، وهي كلها تعبيرات طنانة تستخدم الواحدة منها مكان الأخرى لإيجاد شيء من الإثارة والغموض والترقب بدرجات متساوية لدى ممارسي الرعاية الصحية والباحثين فيها والجمهور عموماً. فما هو الطب الشخصي حقيقة؛ وما هي أهميته، ولماذا ينبغي علينا كدولة، ما زالت تشق طريقها في تطوير الرعاية الصحية، الاهتمام بهذا المجال؟

إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة، نعتبر الارتقاء بمستوى الرعاية الصحية بين أولى أولوياتنا. ونؤمن برأي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأن غنى أي من الأمم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة أبنائها. ولذا فإن شراكتنا معكم، باعتباركم أصحاب المواهب الفذة من ممارسي المهن الصحية ومقدمي خدمات الرعاية الصحية، ترمي إلى الحفاظ على صحة شعبنا. لقد قطعنا شوطاً كبيراً معاً في تقديم رعاية صحية تتمحور حول المريض؛ رعاية يتواصل تركيزها على ضمان تسخير وتوجيه مواردنا وكوادرنا لخدمة المريض.

بيد أن النمو المتسارع لعدد السكان لدينا، وتركيبتنا الوراثية الخاصة وتغيّر خصائصنا الديموغرافية ونمط حياتنا ما زالت تضع أمامنا تحديات كبيرة. وما زالت تتدفق علينا حالات جديدة من أمراض السكري والقلب والسرطان، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل إن كان ينبغي علينا أن نقوم بأكثر من مجرد توفير رعاية صحية شاملة، بمواصفات واحدة للجميع؟ فربما آن الأوان لتقديم شيء شخصي؟

يقودنا هذا إلى الطب الشخصي، وهو يعني بالمختصر المفيد تصميم علاج خاص لكل مريض بناء على شفرته الوراثية الخاصة. وهي طريقة تتجاوز أسلوب «تفصيلة واحدة للجميع» في العلاج والرعاية الصحية إلى أسلوب يستفيد من المنهجيات الجديدة في الفحوص التشخيصية والجينوميات الوظيفية والمسار الجزئيي والتحليل الآني للبيانات لتصميم علاج يناسب الاحتياجات الخاصة لكل مريض – بمعنى تفصيلة خاصة تناسب كل شخص. هذا الأسلوب يتيح توجيه الإجراءات العلاجية نحو تحقيق أفضل النتائج، وضمان الكفاءة الاقتصادية في استخدام الموارد المالية الشحيحة.

وآمل أن تكونوا في نهاية كلمتي هذه على استعداد للنظر في مآلات هذه النقلة في طريقة التفكير بموضوع الاختبارات الوراثية وما يرتبط بها من إشكاليات أخلاقية، وموضوع صناعة المستحضرات الصيدلانية ومستقبل تطوير العقاقير الدوائية، والعلاج الذي يستهدف كل مريض على وجه الخصوص والفوائد المرجوة منه. فبعد دراسة كل هذه العوامل فقط نستطيع أن نتبين الحقيقة من الدعاية في موضوع الطب الشخصي.

واسمحوا لي أن أبدأ بطرح السؤال التالي عليكم: هل يشتري ابنكم أو ابنتكم الشابين نفس الملابس التي تشترونها أنتم؟ وهل يذهب أحدكم لقضاء إجازته دوماً في نفس المكان الذي يذهب إليه جاره؟ وإذا خرج أحدكم مع أسرته إلى المطعم، هل يطلب الجميع نفس الوجبة؟ أعتقد أن الإجابة هي لا، لكنكم على الأرجح تتلقون جميعاً نفس العلاج الطبي لمرض معين رغم الفروق الجينية الكثيرة فيما بينكم. ولعلكم لا تتفاجؤون إذا ما سمعتم أن الجميع كذلك أيضاً. ألا تعتقدون أن ذلك غريب نوعاً ما؟ فلماذا يسير الأمر على هذا النحو؟ هل هو لسبب مفاده أن أمهر الأطباء في العالم لم يدركوا بعد كيف يختلف الناس في نشوء الأمراض لديهم وفي استجابتهم لها؟ وهل حقاً أن أسلم السبل هو تصميم العلاجات بناء على المتوسطات العامة للسكان، أي ما يسمى الطب بطريقة «مقاس واحد يناسب الجميع»؟

تشير الأدلة البحثية التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين إلى أن هذه الطريقة التقليدية غالباً ما تحيد عن هدفها، وذلك لأن التركيبة الجينية لكل شخص تختلف قليلاً عن تركيبة غيره اختلافاً كثيراً ما تكون له أهمية كبيرة في التأثير على الصحة؛ وفي إمكانية إصابتنا بمرض ما وفي اختلاف الطريقة التي نستجيب بها للإصابة أو المرض.

لذلك هناك ملايين الأشخاص حول العالم يتعاطون كل يوم أدوية وعلاجات لا تفيدهم. وفي أحسن الأحوال، فإن أفضل عشرة أدوية أداءاً في الولايات المتحدة الأمريكية تفيد أقل من 50% ممن يتعاطونها. كما تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من الثلث بين ملايين الأشخاص الذين يتعاطون عقار الكلوبيدوجريل (بلافيكس)، وهو مضاد للتجلط يميع الدم بغية الوقاية من تشكل الخثرات التي تسبب السكتات الدماغية والنوبات القلبية، ليس لديهم النوعية الوراثية المطلوبة من إنزيم معين لتحويل العقار إلى الصيغة الفاعلة، وهو ما يجعل أجسامهم غير قادرة على تفعيل الدواء. معنى هذا أن الدواء ببساطة غير فعال لتلك الشريحة من المرضى ومع ذلك فإن الملايين منهم يتعاطونه، ما يتركهم عرضة لخطر الجلطات المسببة للسكتات الدماغية والنوبات القلبية.

وإن كنتم تظنون أن هذا ليس بالأمر السيء لدرجة تستدعي تغيير الطريقة التقليدية، فما رأيكم ببعض العقارات المستخدمة حالياً لخفض مستوى الكوليسترول في الدم، التي لا تتجاوز نسبة من يستفيدون منها 5% ممن يتعاطونها؟ فهل من الصواب تعريض المرضى للآثار الجانبية لعقاقير لا تفيدهم أصلاً؟ هل هذا الأمر أخلاقي أو مبرر؟ وفي الوقت الذي نشهد فيه شحاً في موارد الرعاية الصحية، هل من المنطقي أن ننفق الأموال على أدوية غير ناجعة لدى غالبية من يتعاطونها؟

إن الطب الشخصي سيقربنا أكثر من إمكانية توفير رعاية صحية أكثر دقة وفعالية بفضل تخصيصها وفق حاجة كل مريض ومتطلباته، حيث إن فهمنا الأعمق لتركيبتنا الجينية، وكيفية دعمها لصحتنا وتعريضنا لأمراض معينة وتحكمها باستجابتنا للعلاجات والعقاقير، سيمكن مختصي الرعاية الصحية لدينا من توفير وقاية أفضل وتشخيص أكثر دقة وأدوية أكثر فعالية وسلامة بأسعار أيسر وأجدى.

إذن الطب الشخصي قد يكون مفيداً للمرضى، لكنه ربما يكون سيئاً بالنسبة لشركات صناعة الأدوية، أم هل هو كذلك فعلاً؟ لا شك أن زيادة كفاءة العلاجات الدوائية وتقليل آثارها الجانبية سيفيد المرضى والأطباء وممولي الرعاية الصحية كشركات التأمين والجهات الحكومية. أما فائدته بالنسبة لصناعة الأدوية فربما يصعب تلمُّسها في المدى القصير، لذا سيكون ضمان تقبلهم لفكرة الطب الشخصي أقل. من هنا، يتعين علينا أن نشجعهم على القيام بما هو أنسب للجميع، وهو تقديم علاج دوائي فعال بأعراض جانبية أقل وتكلفة أجدى.

ولا يخفى علينا أنه عند الحديث عن علم الوراثة، سرعان ما نميل إلى الافتراض بأن الاختبارات الوراثية أمر معقد ومكلف. أليس لدينا ملايين الجينات التي تتباين فيما بينها تباينات طفيفة تجعل من الصعب تمييزها عن بعضها بعضاً؟ وما هو بدقة حجم الفائدة التي سيسهم بها تحديد هذه الجينات في ابتكار علاجات أفضل وأكثر فعالية؟ وهل نمتلك في دولة الإمارات المستلزمات المناسبة للطب الشخصي؟

وجدير بالذكر أنه خلال عشر سنوات منذ أن تم إنجاز مشروع الجينوم البشري، أدت الإنجازات المتعددة في التقنيات الجينومية إلى انخفاض سريع جداً في تكاليف التسلسل (بأكثر من 16,000 ضعف). فكل فرد منا لديه ملايين الجينات، وكل جين يضع مخططاً لإنتاج بروتين معين في الجسم. هذه البروتينات تؤثر على طريقة استجابتنا لعقاقير وعلاجات معينة وطريقة امتصاص أو استقلاب عقار ما في جسمنا، وتعمل كمستقبل له أو تعدل مفعوله. وقد أسهمت هذه المعلومات، بعدما أصبحت في المتناول، في تقدم علم الصيدلة الجينية وتوفير أكثر من 100 عقار تم تصميمها بناء على هذه المعلومات.

وعندما يقارن الباحثون جينومات أشخاص يتعاطون نفس الدواء، ربما يجدون أن الأشخاص الذين يتشاركون في نوعية جينية محددة تتماثل أيضاً استجابتهم لعلاج معين، من حيث مثلاً أعراضه الجانبية وكمية الجرعة المطلوبة لتحقيق المفعول، وحتى في المدة المثالية للعلاج. إن هذا حقاً علاج مخصص لكل مريض على حدة.

وسماعنا بأن تركيبتنا الجينية مسؤولة عن طبيعة الأمراض التي نتعرض لها لا يعني أنه لا خيار أمامنا سوى تقبل ذلك والتعايش معه.

فاستعدادنا الوراثي للإصابة بالبدانة أو أمراض القلب لا يعني أن نقف عاجزين أمام ذلك. بل على العكس من ذلك، تشير الأدلة العلمية إلى أن ذلك يمنحنا إنذاراً مبكراً إلى وجوب تعديل نمط حياتنا لتقليل مخاطر الإصابة بالمرض في أسوء حالاته.

وتشير تقديرات الاتحاد الدولي للسكري أن تكاليف هذا المرض تبلغ 7000 درهم لكل شخص في دولة الإمارات العربية المتحدة. فإذا أخذنا جداول الحالات المقدرة تقريباً بـ 800,000 حالة لعام 2014، فإن هذه التكلفة التي تبدو لا قيمة لها على المستوى الفردي تبلغ في المجمل حداً مخيفاً يصل إلى 5.6 مليار درهم. تخيلوا ما يمكننا أن نفعله بهذه المبالغ لو لم ننفقها على رعاية مرض يمكن علاجه من خلال تضافر القدرات الحديثة في علوم الطب والتشخيص والصيدلة.

إننا نعلم منذ عهد داروين في القرن التاسع عشر وصولاً إلى واتسون وكريك في القرن العشرين أن مخطط نمونا وتطورنا ينتقل إلينا من آبائنا. بيد أن الأدلة العلمية تشير الآن إلى أننا لسنا مكبلين بجيناتنا الوراثية، وأن الكثير من جيناتنا التي تولد معنا يمكن تعديلها من خلال تجاربنا في الحياة، وأن تلك «الجينات المعدلة» تنتقل بعد ذلك إلى أبنائنا.

فما تأكله الأم خلال الحمل يؤثر على كيفية نمو الجنين داخل الرحم؛ والأطفال الصغار الذين يتعرضون للإيذاء تحدث لديهم تغييرات جينية متوالية تقلل من قدرتهم على تحمل الضغوط في مراحل حياتهم اللاحقة؛ كما أن التوأمين اللذين يولدان بجينات تجعلهما عرضة للإصابة بالسرطان، يمكن أن يصاب أحدهما بالسرطان إذا تعرض لعادة سيئة كالتدخين، بينما يبقى الآخر سليماً من السرطان إن لم يتعرض لتلك العوامل.

كما أن الطعام الذي نتناوله والتلوث الذي نتعرض له والتمارين الرياضية التي نمارسها والضغوط النفسية والذهنية التي نعاني منها يمكن أن تؤثر على تركيبتنا الجينية، وهذه التركيبة الجينية المعدلة هي التي ننقلها إلى أجيال المستقبل. لذلك تقع على عاتقنا مسؤولية تسليم المادة الجينية لأجيال المستقبل في أفضل حال ممكن.

ولأجل استثمار الأبحاث التي كشفت قوة جيناتنا الوراثية، يتعيّن علينا ضمان توفير الدعم والانفتاح المناسبين على هذا المجال. ويبدأ هذا الأمر بتأسيس قاعدة بيانات موثوقة لنتائج انتشار الأمراض والعوامل المؤثرة فيها والشرائح السكانية الأكثر عرضة لها. فهذه الخطوة ستمنحنا قفزة كبيرة للأمام في القيام بأبحاث أكثر دقة. وعندها ربما يمكننا أن نفتح نافذة أكبر على الطب الشخصي من خلال استخدام أحدث الإنجازات التقنية في هذا المجال.

وكلنا فخر بأن يكون مركز كلية هارفرد الطبية للخدمات الصحية العالمية شريكنا في هذا العمل، وأن تقود الدعوة للربط بين البيانات وتقديم الرعاية الصحية. لقد استقدمت كلية هارفرد الطبية كوكبة من خبرائها المرموقين ومن أقطاب هذه الصناعة في العالم للحفاظ على قوة الزخم وبناء النظام المستدام اللازم لازدهار الطب الشخصي.

ففيما سبق، كانت شركات صناعة الأدوية الكبيرة صاحبة العقاقير الرائجة والمربحة مفضلة على شركات تصنيع الأجهزة والتشخيص ذات العلاقات الأضعف. لكن هذا بدأ يتغير الآن في ظل تشكل التحالفات القوية حيث باتت شركات التشخيص مكوناً لا غنى عنه في صناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية سعياً إلى تقديم طب أكثر ملاءمة لكل شخص. فالتآزر بين الرعاية الصحية والتقنيات الرقمية يتيح توفير الدواء المناسب للشخص المناسب.

وقد شرعت شركات الأجهزة الطبية بارتياد سبل مراقبة وإدارة صحة المرضى وراحتهم. فقد بدأ الكثير من المستهلكين بالفعل باستخدام أجهزة الاستشعار المتنقلة لقياس الوظائف الأساسية للجسم كمعدل ضربات القلب والنشاط البدني من خلال التطبيقات المتماشية مع أسلوب الحياة العصرية. فالتقنيات الحديثة يمكنها جمع معلومات سريرية أكثر دقة وتفصيلاً باستخدام «التطبيقات الصحية» والتي يمكنها مساعدة المرضى والأطباء على فهم وإدارة الحالات الصحية طويلة الأمد بشكل أفضل، كحالات السكري والاكتئاب. كما تولّد هذه الابتكارات الإبداعية حجماً كبيراً من البيانات الطبية تعتبر مفتاحاً لا لتقديم رعاية أكثر فعالية لكل مريض فحسب، بل لتحليل الأنماط الشائعة بين السكان بحثاً عن أسباب الأمراض وعلاجاتها الأنجع.

وتدرك كبريات الشركات المنتجة للتجهيزات الطبية، ومن بينها بعض أبرز الشركات العالمية التي باتت شريكة لنا في مركز محمد بن راشد الطبي في مدينة دبي الطبية، أن التقنية والبيانات تفسح المجال أمام توفير أنظمة صحية أكثر كفاءة في وقت نشهد فيه ازديد الطلب عليها نتيجة زيادة أعداد كبار السن بين السكان.

وتجتذب هذه الإمكانيات والفرص شركات جديدة إلى قطاع الرعاية الصحية عبر بناء شراكات وتحالفات جديدة. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة ميدترونيك، إحدى كبريات شركات تصنيع الأجهزة الطبية، عن «تحالف إستراتيجي على قاعدة عريضة» مع شركة سامسونج إلكترونيكس لتقديم «بيانات صحية آنية للأطباء والمرضى بما يمكنهم من زيادة فعالية إدارة العلاج وتقديم الدواء وتعقب الأعراض والمراقبة اللاسلكية للبيانات التي يتم استقبالها من أجهزة ميدترونيك».

كما أبرمت شركة جوجل شراكة مماثلة مع شركة نوفارتيس للصناعات الدوائية من أجل تطوير عدسات لاصقة يمكنها مراقبة مستوى السكر في سائل العين. إنها لمرحلة مثيرة نرى فيها التقارب بين مختلف الاختصاصات والمجالات، فنرى شركة مثل جوجل بما تمتلكه من عقول نابغة تأتي إلى الطاولة جالبة معها أفكاراً جديدة للارتقاء بالصحة.

وفي شهر نوفمبر الماضي عقد أسبوع الإبداع، وهو فعالية استلهمت من رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وجمعت بين الحكومة المحلية والاتحادية والقطاع العام لعرض أفكار تعكس شغف دولة الإمارات بالإبداع.

من جهة أخرى، قدمت شركة آي بي إم تقنية واتسون، التي يمثل أحد جوانبها شراكة مع مركز ميموريال سلون كيتيرينغ لأمراض السرطان بهدف فهم التشخيص السريري لحالة المريض وتقرير خطة علاجية  مصممة خصيصاً للمريض المعني. وتمثل هذه التقنية نظاماً داعماً في اتخاذ القرارات يربط بين أحدث الأبحاث والأدلة العلمية والخبرات لمساعدة الأطباء في تحديد أفضل خطة علاجية. والمأمول أن نتمكن من خلال الطب الفردي من التركيز على أفضل مسار سريري وتحقيق أعلى معدلات النجاح وأقصر وقت ممكن في زمن الاستجابة. وهذا الأمر يستفيد من تسخير التقنيات في تجميع البيانات وتحليلها بطاقة لا يستطيعها طبيب واحد ولا فريق من الأطباء، ما يمكننا من التفوق على منافسينا.

كانت ممارسة الطب عبر التاريخ تجري كرد فعل في أغلب الأحوال، إذ ننتظر عادة حتى يقع المرض لنبدأ بالعلاج. ولأننا لا نفهم تماماً العوامل الوراثية والبيئية المسببة لأمراض رئيسية مثل السرطان والزهايمر والسكري، فإن علاجاتنا تفتقد للدقة ولا يمكن التنبؤ بها نوعاً ما وغالباً ما تكون غير فعالة. إضافة إلى ذلك، يجري اختبار العقاقير والعلاجات العامة على شرائح سكانية واسعة ويتم وصفها بناء على متوسطات إحصائية، وبالتالي فهي لا تكون ناجعة إلا لبعض المرضى بينما تفشل لدى الكثيرين.

ومن هنا كانت فكرة الطب الشخصي المبني على التركيبة الجينية الفريدة لكل مريض، وقد بدأ هذا المنحى يتغلب على العقبات التي يواجهها نهج الطب التقليدي. فهو يساعد الجهات القائمة على الرعاية الصحية في تحويل تركيزها من ردود الأفعال إلى الوقاية، والتنبؤ بقابلية الإصابة بالمرض وتحسين إمكانية كشف المرض واستباق تفاقم الحالة المرضية وصياغة إستراتيجيات وإجراءات علاجية توضع خصيصاً للوقاية من الأمراض. كما يتيح أيضاً إمكانية استخدام عقاقير أكثر فعالية ويمكن التنبؤ بآثارها الجانبية، وبالتالي تقليل مدة العلاج وتكلفته ونسبة فشله.

وحينما يتخرج طلاب الطب من جامعة محمد بن راشد، ينبغي أن نكون قد جهزنا لهم الأدوات ووفرنا لهم أفضل الفرص للمضي قدماً بالإنجازات المحققة في علم الهندسة الوراثية للارتقاء بالطب الشخصي. فينبغي أن نهيئ السياسات والبنى التحتية والأنظمة والتمويل والأبحاث لجيل جديد من أخصائيي الطب السريري سيتولى القيادة.

وكما قل أحد الحكماء يوماً «صحيح أنه لا يمكنك المطالبة بأوراق اللعب التي كنت تود أن تعطى لك. لكن واجبك هو أداء أفضل لعبة ممكنة بالأوراق التي بين يديك». آمل أنكم جميعاً تتفقون معي بأنه رغم أن تركيبتنا الوراثية مسؤولة عن الأمراض التي يمكن أن تصيبنا، لكن هذا لا يوجب علينا أن نقبل بأن قدرنا هذا محتوم لا مفر منه. فمورثاتنا يفترض أن تكون منصة لنا لإطلاق أسلوب حياة أفضل يقلل مخاطر تعرضنا لتلك الأمراض التي نمتلك الاستعداد المسبق للإصابة بها.

وينبغي علينا أن نحافظ على مورثاتنا التي تغرس فينا الحماس والشرف وروح المغامرة، وأن نستخدمها كمحفزات لتغيير تلك المورثات التي تجعلنا قابلين للإصابة بالأمراض والحالات التي تدوم أمداً طويلاً. كما أن مسؤوليتنا تجاه أجيال المستقبل توجب علينا أن ننقل إليهم المادة الوراثية بوضع أفضل من الوضع الذي ورثناها عليه.

وباستلهام هذه الأفكار وأخذها في الحسبان، أتمنى لكم جميعاً كل التوفيق في العام 2016 وما بعده، وأشجع كل فرد فيكم على اتخاذ ما يلزم من خطوات للارتقاء بصحته من خلال تعديل الخصائص الجينية لما فيه خير أجيال المستقبل.

شكراً جزيلاً