31 Mar 2016

منتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة

سعادة رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، السفير أوه جون؛

سعادة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، السيد ليكيتوفت؛

أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة؛

السيدات والسادة؛

إنه لشرف عظيم لي أن أكون بينكم اليوم في الأمم المتحدة، كأعضاء في، وممثلين عن، الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية ومجتمعات الأعمال. لقد أنجزتم جميعاً الكثير وما زلتم تبذلون الكثير لجعل عالمنا مكاناً أفضل.

يأتي منتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في وقت مصيري، وقت الاضطراب والتحوّل. إن التحديات التي نواجهها اليوم -مثل انتشار الإرهاب وأكبر موجات النزوح للبشر منذ الحرب العالمية الثانية وعدم الاستقرار الاقتصادي- تتطلب منا التضافر في اتخاذ إجراءات مشتركة.

هذه هي المرة الثانية التي أتواجد فيها في الأمم المتحدة خلال أربعة أشهر.

ففي آخر مرة كنت هنا، كان من المفترض أن أتحدث عن الجوع في العالم، ولكن الهجمات المأساوية التي وقعت في باريس اقتضت التعديل على مسار الخطاب وأن أوجه نداءً للسلام.

والآن، خلال هذه الفترة الوجيزة، أنا هنا في الأمم المتحدة مرة أخرى، ويأتي هذا بعد مرور أيام قليلة من الأحداث المروعة في بروكسل ولاهور.

وبصفتي مسلمة ومن أفراد الأسرة الهاشمية، دعوني أقول هذا وبكل صراحة: إن الأشخاص الذين يرتكبون هذه الأفعال لا يرتكبونها باسم الإسلام، فهم يقومون باستعارة اسم الإسلام ولكنهم ليسوا بمسلمين.

إن عقيدتهم الملتوية - سواءً كانت تحت راية حركة طالبان أو القاعدة أو داعش أو بوكو حرام أو الشباب أو أي من الآخرين المتحوّلين للكراهية واليأس - ليس لها أي تشابه مع الإسلام. وهذا أمر مؤكد وينبغي ألا يكون هناك أية شكوك حوله.

لست مضطرة إلى الوقوف أمامكم اليوم والمناشدة للسلام. ولكن أشعر أنني اليوم، وبصفتي سفيرة للأمم المتحدة للسلام، ينبغي علي أن أطلب منكم الاعتراف بأن السلام لن يأتي دون المكافحة لتحقيقه، وقد حان الوقت الآن لذلك. إن الطريقة الوحيدة التي يمكن انتهاجها في هذا الكفاح هي من خلال إعطاء الأمل للناس حتى يعيشوا من أجله.

ثمة حقيقة موجعة في هذه الأحداث وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي. تتمثل هذه الحقيقة في أن قوى الشر قد أصبحت أكثر تنظيماً من أي وقت مضى، بينما لا زلنا نحن - قوة الإنسانية الحقيقية - غير منظمين ومُشتتين.

ويبدو الأمر أكثر سوءاً عندما ندرك أن الإرهاب والعنف والتهجير أمور قديمة جداً منذ البشرية. وإن استمرار هذه القضايا هو جزء من التركيبة البشرية، ولكن إذا ما سمحنا لكل ذلك بالاستمرار دون إيجاد حل بسيط وواضح يعالج أسبابها الجذرية، فهذا أمرٌ مأساوي ولا يغتفر.

إن التاريخ مفعم بالأمثلة التي كان ينبغي علينا أن نتعلم منها، مثل الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، وإبادة الشعوب الأصلية، والتهجير القسري من قبل القوى الاستعمارية تقريباً في كل قارة من قارات العالم، أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأوقيانوسيا وآسيا. ومنها الإبادة الجماعية لليهود في الحرب العالمية الثانية، واضطهاد الشعب الفلسطيني، والتطهير العرقي للمسلمين في البلقان، والإبادة الجماعية في رواندا، والخمير الحمر في حقول الموت في كمبوديا، وغيرها الكثير الكثير.

وهنا الآن واليوم، كيف لنا ألا ندرك إلى الآن في عالمنا المتحضر أن المساعدات الإنسانية والتنموية هي الطريقة الأكثر فعالية لمنع ومكافحة الإرهاب والتطرف.

إن أفضل طريقة لكسب هذه الحرب هي من خلال توفير الأمل والكرامة للمحتاجين، فمن لديه شيء ثمين يحميه لا يرغب في السماح للآخرين بتدميره، وهم بالتأكيد غير مستعدين للانضمام إلى التدمير.

وهناك درس آخر علينا أن نتعلمه من ذلك، فقد وجدت قوى الشر نقطة لتحشد الناس حولها وعقيدة ملتوية.

يحتاج المجتمع الإنساني إلى نقطة التقاء وتجمع، ولديه بالفعل نقطة جاذبة وحاشدة منذ 16 يونيو 1945 عندما قامت 50 دولة بالتوثيق والمصادقة على ميثاق الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين، تعتقد شعوب العالم، وخاصة شعوب العالم النامي ممن يحتاجون إلى المساعدة ويعيشون في بؤرة الصراع، أن الأمم المتحدة هي الهيئة التي تملك السلطة الأخلاقية لكوكبنا.

إن الأمم المتحدة هي الأمل الأكبر للعالم من أجل تضافر الجهود وتوحيد الإجراءات، وهي على أعتاب تغييرات مهمة. فنحن على وشك انتخاب أمين عام جديد. وقد ولى عصر الأهداف الإنمائية للألفية، وظهرت الآن أهداف التنمية المستدامة.

إن هذه المرحلة الانتقالية في الأمم المتحدة تُشكّل مرحلة واعدة. وبقيادة الأمين العام بان كي مون والكثيرين منكم، فقد أظهرت الأهداف الإنمائية للألفية أن العمل المُنظّم بإمكانه أن يحدث فرقاً. ولكن علينا أن ندرك أنه لن يكون من السهل تحقيق الأهداف الموضوعة للتنمية المستدامة.

ففي العام الماضي، اضطرت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية للسعي نحو جمع 25 مليار دولار أمريكي للمساعدات الإنسانية من أجل الاستجابة للأزمات الناجمة عن الصراع الديني والعرقي في سوريا والعراق وميانمار وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن وجنوب السودان.

خمسة وعشرون مليار دولار. إن هذا يساوي عشرة أضعاف مستوى تمويل الطوارئ الذي احتاجت إليه الأمم المتحدة في عام 2000 عندما وضعنا الأهداف الإنمائية للألفية. ومن هنا ندرك أن هذه الصراعات الدموية قد استنزفت عشرات المليارات من الدولارات التي كان من المفترض أن ننفقها على التنمية.

أود هنا أن أعرض وجهة نظري التي توصلت إليها خلال أسفاري بصفتي سفيرة للأمم المتحدة للسلام، وهي أن الاحتياجات البشرية الأساسية تفوق كل شيء من حيث الأهمية. إن جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر جديرة بالاهتمام والمتابعة، غير أن خبرتي قد علمتني أن أول هدفين – القضاء على الفقر والقضاء التام على الجوع - هما نقطة البداية للوصول إلى باقي الأهداف.

وأقولها بكل صراحة، إن الأشخاص الذين يتضورون من الجوع لا يفكرون في أهداف التنمية المستدامة الأخرى. ولا أقول أنه يتعين علينا غض النظر عن جميع هذه المشاكل وتركها بدون معالجة، ولكن يتعين علينا أن نحدد الأولويات. والأهم من ذلك، وحتى تتكلل مساعينا بالنجاح، ينبغي علينا أن نضمن أن شراكاتنا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة تتخطى جميع المصالح، فإن مجتمع المساعدات يضم العديد من الجهات الفاعلة، والكثير من البيروقراطية، والقليل من الثقة.

ويجب أن تنتهي حالة انعدام الثقة القائمة بين مجتمع الأعمال والمنظمات غير الحكومية والأكاديميين؛ كما يجب أن تنتهي حالة النزاع بين وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة الثنائية من أجل إحكام السيطرة؛ والتدافع الشرس من قبل مقدمي المساعدات للوصول إلى وسائل الإعلام أثناء تنافسهم للظهور في صدارة المشهد والحصول على التغطية الاعلامية. كل هذا يجب أن يتوقف وأن يتم وضع حداً له.

كيف يمكننا أن نبني شراكات قابلة للنمو في قطاع مزدحم مثل قطاع الإعانة؟ في حالات الطوارئ، يناضل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لإحلال الهدوء والتروي وسط الفوضى التي تسود عمليات الإغاثة الطارئة التي يمكن أن تشمل عشرات المنظمات غير الحكومية والمانحين الثنائيين والشركات.

أتذكر أنه عندما أرسلنا المساعدات من دبي إلى بورت أو برنس في هايتي، وكان ذلك بعد أيام قليلة من زلزال عام 2010، فقد كانت أراضي المطار والطرق القريبة تعُج بالخيام والسيارات التي تحمل اللافتات والأعلام من مختلف وكالات الإغاثة والمانحين.

لقد كان المكان صاخباً وحينها دعوت الله أن نجد شرطي مرور جيد. لقد كان ذلك الموقف مثالاً فجاً للمشاكل التي تعيق من تنسيق المساعدات، وربما تكمن المشكلة الكبرى في عدم رغبة وكالات المساعدات أو الجهات المانحة أن يتم "تنسيقها".

وكما علق الممثل كاري جرانت ذات مرة قائلاً: "إن العالم كله عبارة عن مسرحية، ولكن يبدو أنه ما من أحد يرغب في لعب الأدوار المساعدة". وفي كثير من الأحيان، لا يحدث التعاون والتنسيق إلا نتيجة للتغطية الإعلامية السلبية وشكاوى المانحين المحبطين أو تقارير التدقيق التي توثق تكرار بعض المساعدات أو عدم الحاجة إليها.

قبل بضع سنوات، نشر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان ما أسماه "كفاءات الأمم المتحدة من أجل المستقبل".

وتتماشى جميع هذه الكفاءات مع قيم النزاهة الأساسية للأمم المتحدة واحترام التنوع والمهنية. وتشمل التواصل، والعمل الجماعي، والمساءلة، والرؤية، والإبداع، وتمكين الآخرين، وبناء الثقة، والاهتمام بالعميل.

إن هذه المفاهيم هي أساس أي شراكة فعّالة ومثمرة، فلا يُمكن لأي فريق أن يعمل بفعالية في حال لم يتشارك اللاعبون فيما بينهم ولم يتم تبادل المعلومات والاستراتيجيات الأساسية. ومع ذلك، صدقوا أو لا تصدقوا، لا يوجد لدينا نظام واحد شامل يتتبع جميع تدفقات المساعدات العامة والخاصة على المستوى العالمي. ولا تزال معظم التقارير المفصلة عن المساعدات تأتي من الجهات التقليدية المانحة فقط ولذا يجب أن يتم توسيع نطاق هذا النظام.

نحتاج إلى نظام تتبع عالمي أكثر شمولاً يُبلّغ عن جميع المساعدات الحكومية والخاصة ويعرض بالتفصيل إلى أين تذهب وكيف يتم استخدامها. إذ نفتقر إلى البيانات الجيدة عن المانحين الوطنيين المهمين الجدد.

وكما هو الحال اليوم، فإن المشاريع التي تتحمل نفقاتها مؤسسة وورلد فيجن أو خدمات الإغاثة الكاثوليكية أو الهلال الأحمر من أموالها الخاصة لا تظهر في سجلات المساعدات الإنمائية الرسمية، وكذلك لا تظهر التبرعات المقدمة من الشركات مثل سيمنس أو ماستركارد أو سوميتومو أو المساهمات الخاصة من خلال الجمعيات الخيرية الإسلامية.

أنا أعلم أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والأمم المتحدة تعملان على تطبيق نظام أوسع، وهم بحاجة للمزيد من الدعم السياسي. وبإمكان محوري الرؤية والإبداع أن يسفرا عن حلول جديدة لمشاكل تبدو مستعصية.

لقد دعا التقرير الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في دبي في شهر يناير بمناسبة القمة العالمية للعمل الإنساني إلى زيادة التعاون والتنسيق مع القطاع الخاص. إن الأمر لا يتعلق بطلب التبرعات فحسب، بل يرتبط ببناء تفاعل تجاري حقيقي.

فعلى سبيل المثال، وقبل أكثر من عقد مضى، بدأ برنامج الأغذية العالمي بالترويج للتأمين ضد مخاطر المجاعة. بحيث يمكن أن توفر أنظمة تأمين مماثلة المساعدة في مراحل مبكرة للحد من أثر الأوبئة والكوارث الطبيعية الأخرى.

كما أنه من المؤكد أن المؤسسات المالية الكبيرة قادرة على تصميم صناديق للسندات والتي بإمكانها أن تدعم العمليات التنموية وعمليات الطوارئ.

إن تمكين الآخرين يعني مساعدة الناس على مساعدة أنفسهم. لقد شهدنا بعض النجاح في مجال التمويل الجماعي لمشاريع التمويل الأصغر للنساء، وتُظهر العديد من مشاريع التمويل المصغر في البلدان النامية، ولا سيما تلك التي تستهدف أصحاب المشاريع الصغيرة، عوائد جيدة.

إن بناء الثقة يعني تكوين فرق إعانة فعالة تحدد مهامها بناءً على المزايا النسبية والمهارات. ونحن نحتاج إلى المزيد من المشاركة من قبل المانحين غير التقليديين والمنظمات غير الحكومية الوطنية والمحلية في العالم النامي.

تتيح الأمم المتحدة الفرصة لنا لإضفاء روح الوحدة على التنوع في مجتمع المعونات. فهذه هي نقطة تجمعنا، وأنتم فقط بإمكانكم المساعدة في جمع قوى الخير معاً.

إننا بحاجة لذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى، لقد حان الوقت - بل لقد تأخرنا - للاستفادة من دروس التاريخ والاستجابة للواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم.

إحدى الذكريات التي تطاردني كل يوم تقريباً هي لقائي مع سيدة التقيت بها في مخيم للاجئين في إثيوبيا بعد 10 أيام قضتها وهي تحمل أطفالها عبر الحدود من جنوب السودان. لقد قطعت مسافة 15 كيلومتراً دون طعام أو ماء وتحت تهديد دائم بالاعتداء، بحثاً عن مأوى في مخيم مكتظ يتبع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خارج غامبيلا. هذه السيدة لم يكن لديها أي فكرة عما إذا كان زوجها على قيد الحياة أم لا، ولم تعلم أي شيء عن مكان تواجده. وكانت تتعرض لخطر الاعتداء الجنسي في كل ليلة عند ذهابها لقضاء حاجتها، وإذا لم تفعل ذلك ولم تخرج من الخيمة، ستقضي على نظافة خيمتها وتُعرِّض أطفالها للمرض. وبينما كانت تتحدث، كانت تجلس في الوحل بين مئات النساء الأخريات، وهي تحتضن طفلاً وتنتظر دلو الطعام.

وقالت لي بلغة عربية فصحى وجميلة: "لقد كنت مثلك من قبل". لم أفهم ما كانت تعنيه في البداية إلى أن شرحته وقالت: "لقد كان لدي منزل"؛ "وكان لدي زوج. لم يكن لدينا الكثير من المال، ولكن منزلنا كان نظيفاً وكان أطفالنا يتناولون الطعام، وكانت لي كرامتي. كنت فخورة بما لدي، وكنت مثلك. أما الآن فأنا هنا".

إنها على صواب، إنها مثلي ومثلكم أيضاً. إننا بحاجة إلى العمل معاً من أجلها لأنها مرآة لنا، كما أنها تستحق أن تعيش حياة كريمة وأن تكون قادرة على رعاية أسرتها. وبدون تحقيق ذلك لها، وللعديد من أمثالها، سيكون وجودنا ضعيفاً وقابلاً للكسر مثلهم تماماً. وهي مرآتنا بالفعل.

إن أكبر تهديد يحيق بمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة هو أنكم ستغادرون من هنا وتظنون أن المزيد من الشراكات الفعالة تعني إحراز التقدم. ولكن ذلك مجرد خطوة أولى فحسب، ولا يكفي أبداً.

المقياس الوحيد للنجاح هو تنفيذ أهداف التنمية المستدامة تحت مظلة واحدة، وهي الأمم المتحدة، التي تقبلها جميع شعوب العالم. ولا ينبغي أن تكون جهودنا موزعة ومُشتته بشكل أشبه ما تكون فيه كجيش من الجهود الفردية، بحيث يسعى كل من الأفراد إلى تصدر المشهد. إن التقدير الوحيد ذو معنى هو أن يشكرنا أبناؤنا عندما يدركون أننا قد تركنا لهم عالماً أفضل.

وشكراً لكم.

-انتهى-