06 Nov 2016

صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا تلقي الكلمة الرئيسة في قمة "الأزمة العالمية للسمنة" المنعقدة في دبي

الضيوف الأكارم؛

السيدات والسادة؛

 

صباح الخير ومرحباً بكم في دبي. إنه لشرف عظيم لي أن أقوم بافتتاح أعمال هذه القمة الهامة.

فيما بينكم يتواجد معنا اليوم العلماء والأكاديميون والمسؤولون الحكوميون ومقدمو الرعاية الصحية والرؤساء التنفيذيون للمؤسسات العامة والخاصة. ولا شك أنكم شخصيات عالمية مؤثرة في مختلف القطاعات.

لقد اجتمعتم هنا في إمارة دبي لاستكشاف الطريقة الفضلى للتعامل مع إحدى أكثر القضايا إلحاحاً والتي تؤثر على مجتمعنا اليوم، وهي السمنة والأمراض المرتبطة بالبدانة، وتحديداً مرض السكري.

لديكم الكثير من القواسم المشتركة وجميعكم مميزون في مجالات تخصصكم. آمل أن تستفيدوا من بعضكم البعض، ليس فقط كعلماء وخبراء، بل آمل أن يكون دافعكم الأساسي هو روح الإنسانية.

على الرغم من أنني قد تحدثت للتوّ عن السمنة والأمراض المرتبطة بالبدانة على أنها قضايا "اجتماعية"، إلا أنها أيضاً قضايا شخصية وإنسانية بحته. وهي قضايا تتطلب وجود استجابة شخصية وإنسانية عميقة؛ وقد يكمن التحدي الأكبر الذي ستواجهونه في تحقيق التوازن بين العلم والتعاطف.

لقد أتيتم إلى دبي اليوم لاستكشاف مشكلة تؤثر على أركان الكرة الأرضية الأربعة. أنتم هنا لاستكمال البحث استناداً إلى ثروة معرفية وخبرات وتجارب عملية، ولتحدي الأفكار المسبقة.

إنني أدرك أنكم جئتم هنا بعقولكم المتفتحة وهي عقول تنبض بالفضول وحب الاطلاع ويملؤها الحس الإنساني المرهف، وهذه العقول هي ذاتها التي دفعتكم لاختيار التخصص في مجال الرعاية الصحية.

لست بحاجة لأقول لكم أن السمنة والأمراض المرتبطة بها قد بلغت حدّ الأزمة في جميع أنحاء العالم. ففي عام 2014، قدّرت منظمة الصحة العالمية أن هنالك ما يقارب ملياري شخص بالغ يعانون من زيادة الوزن، وثلثهم يعاني من السمنة.

لكن الناس هم ليسوا مجرد إحصائيات. إن العبء الذي يتحمله الأفراد الذين يعانون من السمنة المفرطة والبدانة وأسرهم لا يمكن قياسه بسهولة.

اسمحوا لي أن أقدم إليكم رجلاً يُدعى كيفين، بعد أن سمح لي برواية قصته.

لقد بادرني كيفن وأفراد عائلته بأسئلة شديدة الصعوبة حول العواطف التي قد يحرّكها شخصٌ مثله لدى الأشخاص الذين يتفاعلون معه ويهتمون به.

ليس لدي شكّ أنه بإمكانكم أن تتخيّلوا كيف يمكن لهذه العواطف أن تؤثر على كيفية تواصل الناس مع كيفن، وطريقة اهتمام الناس به، وطريقة تعامل الشركات معه.

هل يفاجئكم إن أخبرتكم أنه - باعتقاد كيفن - لا أحد يهتم به سوى أفراد عائلته المباشرة؟ كما أن والدته تعتقد أنه في اللحظة التي انتقل فيها كيفن من طب الأطفال إلى طب البالغين، لا يوجد أحد يريد أن يعرف شيئاً عنه؟

لقد تم إبعاد كيفن من مستشفيات أوربية كبرى رفضت تقديم الرعاية الصحية للمضاعفات المرتبطة بحالته لأنه "لا يوجد شيء يمكننا القيام به لشخص مثلك"؟ إنه لشيء مخجل، أليس كذلك؟

أبدى العديد من العاملين في القطاع الطبي في جميع أرجاء العالم امتعاضهم وازدراءهم الشديد لكل من كيفن وعائلته. ولا تسمح له أندية اللياقة البدنية باستخدام مرافقها، كما رفضت شركات الطيران أن يركب على متنها، مما جعل الوضع شبه مستحيل بالنسبة لكيفن عند السعي للحصول على الرعاية التخصصية التي يحتاجها بشدة.

بعد نقله بين العديد من المستشفيات المتتالية بسيارة إسعاف وفي يوم واحد، وعندما قوبِلَ بالرفض منها قبل أن يضطر للعودة إلى المنزل، أسرّ كيفن البالغ من العمر خمسة وعشرين عاماً إلى والدته أنه إذا حدث أي شيء خطير له، فإنه متأكد أنه سيُترك ليموت في سريره. وبغض النظر عن الجهات التي تتصل بها والدته، لا يثق كيفن من أنه سيحصل على الرعاية الطبية التي يحتاج إليها، وقال معقباً على ذلك: "لا أحد يريد أن يعرفني."

وعلاوة على ذلك، أخبرتني والدة كيفن أنه: "أصبح عدواً للجميع بسبب وزنه. إن كيفن يجسد مخاوفهم. لكنه ليس وحده، بل هذا حال كل من يعانون من البدانة."

وأذكركم مرة أخرى بهذه العبارة لتتفكروا فيها: "إنه يجسد مخاوفنا".

ربما تفكرون أن الوقت قد حان الوقت لكيفن لكي يفعل شيئاً ليساعد نفسه؟ أشعر أن من واجبي أن أخبركم أن كيفن يعاني من حالة هرمونية نادرة وهي سبب السمنة التي يعاني منها، وقد ظهرت لديه هذه الحالة عندما كان عمره ستة أشهر فقط.

وفي سن الثانية عشرة، كان كيفن أصغر مريض تجرى له جراحة المجازة المعدية في عيادة مايو.

ولذلك، فإن وضع كيفن ربما قد يكون خاصاً، نظراً لأن وزنه الزائد ناتج عن حالة طبية نادرة. ولكن، ما هي العوامل المعقدة التي تكمن وراء حالة الأشخاص الآخرين الذين يعانون من السمنة، وما هو مستوى التمويل البحثي الذي سيمنحنا بعض الإجابات الحقيقية؟ وإلى أن يتم التوصل لتلك الإجابات، هل نسيء إلى هؤلاء الأشخاص عندما نصف السمنة بأنها "مرض نمط الحياة"؟

هل هناك أي أشخاص ممن يعانون من السمنة ولا يستحقون اهتمامكم مثل كيفن؟

هذا الحوار غير مريح، أليس كذلك؟ نعم، فأغلب الأمور المهمة هي كذلك.

من السهل جداً بالنسبة لي أن أقف هنا وأتكلم عن إحصائيات وأتحدث عن المجتمع بدلاً عن الأفراد، وأن أتحدث عن الاتجاهات بدلاً من الحقائق.

ولكنني أريد أن أطرح عليكم سؤالاً اليوم، وهو سؤال نحتاج إليه ليدفعنا إلى سبر أغوار أنفسنا للإجابة عنه.

هل من الممكن أن تُجسِّد مهنة الطب – والقطاع الطبي ككل – هذه النظرة البائسة التي يحملها العالم عن السمنة، والأحكام السلبية المرتبطة بها، والتي تطفو إلى السطح عند التعامل مع المرضى، وربما تصل إلى السياسات وبروتوكولات العلاج، وأن تكون جزءاً من العوامل التي تغذي المشكلة؟

لقد تمكنا الآن، في السنوات الأخيرة، من إحراز التقدم فيما يخص إلغاء الصورة السيئة لأمراض الصحة العقلية. هل حان الوقت لأن نتخذ نفس الاجراء للتعامل مع السمنة، وما يرتبط بها من أمراض "نمط الحياة"؟

هل حان الوقت لنزعة نموذجية بعيداً عن العار والازدراء؟

أنتم - أيها الحضور الكرام - تعلمون أكثر من أي شخص آخر مدى إلحاح هذه المشكلة.

كما أنكم جميعاً مدركون للتوقعات الرهيبة التي تفيد أنه في عام 2025، سيكون هناك واحد من كل خمسة أشخاص بالغين يعاني من السمنة، وبالنظر إلى كثرة الأمراض المرتبطة بالسمنة، من ارتفاع ضغط الدم إلى أمراض القلب، ومن السرطان إلى السكري، فإن هذا لا يمثل سوى أزمة يجسدها اسم هذه القمة.

وللأسف، تعد دولة الإمارات العربية المتحدة المضيف المناسب لفعاليات قمة أزمة السمنة عالمياً ولأكثر من سبب. فنحن مكان عزّ نظيره لعقد تجمّع من هذا القبيل، ولكن الأهم من ذلك، أن هذا الموضوع يرتبط بمنطقتنا هنا للأسف، إذ تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 75٪ من البالغين في منطقتنا يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.

وعلاوة على ذلك، تُمثّل منطقة الخليج ما نسبته 10٪ من المصابين بالسكري في جميع أنحاء العالم.

نحن في الخليج نأخذ هذه الإحصائيات على محمل الجد، ونعلم أننا لسنا وحدنا في هذه المعركة، وربما نرتاح إلى فكرة أننا على الأرجح في وضع قوي نسبياً مقارنة بالدول الأخرى من حيث القدرة على الارتقاء إلى مستوى التحدي.

وفي إنجلترا مثلاً، تُقدّر دائرة الصحة أن الأمراض المرتبطة بنمط الحياة تُكلّف هيئة الخدمات الصحية الوطنية 11 مليار جنيه إسترليني سنوياً. وما لم يتم التعامل مع المشاكل الصحية المتعلقة بسوء التغذية وتعاطي المشروبات الكحولية والتدخين بشكل أكثر فاعلية، فلن يصبح من الممكن تحمل نفقات هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي كانت في يوم من الأيام محط أنظار العالم. وبالفعل، يعاني أربعة من كل عشرة أشخاص في منتصف العمر من حالة مرضية طويلة الأمد، مثل مرض السكري أو التهاب الشعب الهوائية، الذي لا يوجد علاج له.

وللحد من انتشار الأمراض المرتبطة بنمط الحياة، سيكمن التحدي - بالنسبة للغالبية العظمى من الحالات - في مساعدة الناس على تغيير نمط حياتهم.

لكنني أقف أمام نخبة من الخبراء، ليس كأخصائية طبية، بل كإنسانة، والسبب الذي جعلني أتجرأ على الوقوف هنا والتحدث إليكم بحماس شديد هو أن هذا الأمر يتجاوز كونه مجرد قضية طبية.

وكما بيّن لنا كيفن، إنها قضية اجتماعية وشخصية وفردية وعائلية، ولا يمكن للسياسة العامة وحدها أن تعالجها. إنها مسألة مُعقدة وتتطلب مقاربة متعددة الأوجه. إذ نعلم جميعاً أن التغلب على عادات نمط الحياة الضارة ليس بالأمر السهل، فالسلوكيات غالباً ما تكون متأصلة وقد يكون من الصعب تغييرها.

بالطبع، لا يمكن الإفراط في التأكيد على أهمية غرس العادات الصحية في سن مبكرة. حيث يجب أن يكون هناك تغيير في التفكير والتوجه نحو "ما يبقيني على ما يرام" بدلاً من مجرد التفكير في "ما يجعلني مريضاً" حتى يتم تحقيق فوائد.

شبابنا لديهم رفاهية الاختيار، ونحن بحاجة إلى توجيههم لاتخاذ الخيارات الصحية. اختيار التمتع بحياة مديدة، ومشاهدة أطفالهم يكبرون ويبنون عالم أفضل لهم. ففي حين أن السمنة يمكن أن تنقص من عمر المصاب بها ثماني سنوات بسبب مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، فإن النشاط في أوقات الفراغ يضيف أربع سنوات ونصف إلى متوسط العمر المتوقع. لا يأتي الاختيار وحده، بل يقترن دائماً بالمسؤولية عن الخيارات التي نتخذها. يجب ألا ننسى أن الصحة، رغم أنها حق، هي أيضاً امتياز وهبة، والأمر يعود لنا حتى نتعامل معها بعناية وحكمة وحرص.

وقد يكون اتخاذ القرار الذي يؤدي إلى الخيارات الصحية صعباً في بعض الأحيان، ولذلك، ينبغي علينا أن نُعلِّم شبابنا على اتخاذ الخيارات الصحية بدلاً من الخيارات السهلة، وعلى الرغم من صعوبة ذلك، يجب علينا أن نعمل على تسهيل هذا الأمر.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، نأمل أن يكون لمبادرات الصحة والتربية البدنية والرياضة في مدارسنا أثراً قوياً على الأجيال القادمة وألا يتوقف ذلك عند مسألة الصحة والرفاهية فقط، بل أن ينعكس على المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

لدينا مثال رائع في دبي يتمثل في صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو بطل سباق الخيل العالمي لمسافات طويلة، ويمكنه ركوب الخيل لمسافة مائة ميل في يوم واحد، ويقود سموّه الدراجة لمسافة لا تقل عن 30 كيلومتراً في الأسبوع ويمشي بين 5 و10 كيلومترات في اليوم. ولكن الأهم من ذلك هو أنه صوتٌ قوي في الدعوة إلى هذا النمط من الحياة للشباب في جميع أنحاء بلادنا والذين يعتبرونه قدوة لهم ومصدر إلهام.

وقد أطلق مجلس دبي الرياضي استراتيجية 2021 التي تهدف إلى إشراك المجتمع من خلال توفير الأنشطة التي يرغبون في المشاركة فيها - وخاصة الشباب – كما تهدف إلى معرفة آرائهم فيما يرغبون من دبي أن تقدمه لهم.

في عام 2013، أكملت هيئة الطرق والمواصلات مساراً للدراجات بطول 104 كيلومتراً كجزء من المخطط الرئيسي الذي يمتد لمسافة 850 كيلومتراً، والذي تم تمديده في العام الماضي فقط ومن المتوقع أن يتم تمديده في المستقبل. وعلى الرغم من أننا مشهورون بسعينا نحو الكمال في الأعمال والسياحة، إلا أننا أيضاً نسعى لبناء مجتمع صحي لشعبنا.

وبالإضافة إلى توفير مرافق أفضل لتشجيع نمط الحياة النشيطة ومنها مسارات الدراجات والمرافق الرياضية والمتنزهات الترفيهية، يجب علينا أن نعمل مع الصناعات الغذائية (الطعام والشراب) لجعل الغذاء الصحي متاحاً بأسعار معقولة. فمن غير المحتمل أن يتحقق هذا من خلال التشريعات لوحدها، ولكن مع وجود المزيد من الشراكات بين ممثلي الصناعات الغذائية والمختصين في مجال الرعاية الصحية وشركات الإعلام والحكومات.

وعند الحديث عن الصناعات الغذائية، لا يمكننا الاستمرار في تجاهل العلاقة بين توافر الوجبات السريعة وارتفاع نسبة السمنة. ربما نحتاج إلى دعوة صناعة الطعام والشراب إلى تحمل بعض من المسؤولية عن هذه المشكلة وإلقاء نظرة على ما تقدمه؟

ولا بدّ لي أن أنوّه هنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة لتفخر بجمعكم الكريم من أجل بيان التحديات واغتنام الفرص لتحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل في وقف الازدياد في السمنة مع حلول عام 2025. كما أننا حريصون على أداء دور قيادي في رفع مستوى الوعي والتعليم على جميع المستويات. ولزاماً علينا أن نوجه أكثر الأساليب استباقية وفعالية تجاه السمنة وتخفيف مرض السكري وإدارته، على أن يكون الهدف النهائي هو احداث التغيير السلوكي الحقيقي، وبعد ذلك يمكننا العمل على تحسين النتائج الصحية لملايين الأشخاص في المستقبل.

في العصر الفيكتوري، كان آباؤكم قلقين بشأن الدفتيريا وشلل الأطفال، ولكننا استطعنا التغلب على تلك الأمراض. غير أن السمنة والأمراض المرتبطة بها قد تغلبت علينا. لذا، نرجو منكم التحلي بالشجاعة في تفكيركم وبحثكم، والتحلي بالشجاعة من أجل الإنسانية. إن هذه مشكلة تحتاج إلى إجراء جذري وسريع، يبدأ من عندكم ومن استعدادكم لفهم مدى تعقيد هذه المشكلة.

أود أن أطرح عليكم بعض الأفكار النهائية لوالدة كيفن، كريستينا، إذ قالت:

"من الصعب جداً أن يكون الشخص بديناً. لا يوجد هناك مرض "جيّد" ولكن السمنة تشبه الإصابة بمرض الجذام. وأشعر أحياناً أنه سيكون من الأسهل الإصابة بالسرطان."

لقد حان الوقت لعصر جديد خالٍ من الصور النمطية السيئة، تتحد فيه الحلول المبتكرة المعنية بالإنسان من أجل تحقيق التغيير على المدى الطويل.

أتطلع قدماً إلى سماع النتائج المنبثقة عن نقاشاتكم هذه.

وشكراً لكم.

-انتهى-