02 Feb 2017

صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا بنت الحسين تلقي كلمة في مؤتمر قادة الرعاية الصحية 2017

 

.أصحاب السعادة

.الضيوف الأكارم

.السيدات والسادة

 

!يسرّني جداً أنه ليس بالإمكان الاستعاضة عني بإنسان آلي، مهما كان مثيراً للإعجاب ومتقدماً من الناحية التقنية

.كما يشرفني مجدداً أن أكون بين كوكبة متميزة من أقطاب القطاع الطبي، ويسرّني أن ارحب بكم في دولة الإمارات، وفي إمارة دبي على وجه الخصوص

.وفي هذه الحقبة الأكثر تقدماً من الناحية التقنية، أشعر في مناسبات كهذه أن رؤية أصدقاء ووجوه مألوفة، لم أرها منذ فترة، تذكرني دوماً بأهمية اللمسة الإنسانية وقوتها

.لو أننا طرحنا السؤال التالي في أحد الامتحانات: "ما هو المكان الأفضل لعقد مؤتمر حول الإبداع والتقنية ورؤية المستقبل؟"، لكان جواب أغلب الطلاب: الإمارات، إلى جانب بعض المناطق الأخرى الرائدة بالمنطقة

.قد ترون أنني منحازة بعض الشيء هنا، لكني كبقية من يعيشون في دولة الإمارات أفتخر بقيادة هذه البلاد

.فالطريقة التي تطورت بها دبي عبر العقد المنصرم تشهد بوضوح لقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وريادته وتفكيره الاستشرافي بشأن الإبداع والرؤية المستقبلية

.وتأتي رغبة صاحب السمو الشيخ محمد بتحويل دبي إلى أفضل موئل للأعمال والخدمات المالية، والتعليمية، والرعاية الصحية، من إحساسه بالواجب الملقى على عاتقه تجاه شعب هذه الإمارة. فقد أنشأ مدينة يمكن للناس أن يعشوا فيها بكل سعادة، ما يبيّن بوضوح أهمية الإنسانية بالنسبة له

.كان هذا أيضاً نهج الآباء المؤسسين لدولة الإمارات – المغفور له بإذن له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والمغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. كانوا يحملون نفس الرؤية: ترسيخ الإحساس بالوحدة بين إمارات الدولة، وبث روح تنبض بالحياة في صحراء من أقسى المناطق مناخاً خلال فترة قصيرة من الزمن

.ولقد سررت كثيراً عندما علمت أن محور اهتمام هذا المؤتمر أمر نمتاز به نحن في دبي، هو التقنية والإبداع

.لقد شهدنا تقدماً مضطرداً باستخدام التقنيات الذكية في قطاع الرعاية الصحية. ففي الشهر الماضي، على سبيل المثال، أطلقت وزارة الصحة والوقاية في دولة الإمارات مشروع الصيدلية الروبوتية في مستشفى الفجيرة، حيث تتم برمجة إنسان آلي للقيام بعدد من المهام بدءاً من إعداد الوصفة الطبية وصولاً إلى ترتيب المخزون وإجراء الجرد – وكل ذلك بكبسة زر بفعالية

.وفي السنة الماضية، أبرمت وزارة الصحة اتفاقية مع شركة فيليبس لإطلاق نظام الرعاية الطبية المركزة عن بُعد (Tele-ICU) الذي يوفر خدمات استشارة طبية على مدار الساعة في مجالات الرعاية الحرجة وأنظمة المحاكاة الطبية والتطبيب عن بُعد؛ إذ يربط هذا النظام بين أطباء وممرضي الرعاية الحرجة وبين وحدات الرعاية المركزة في مستشفيات بعيدة

.وفي عام 2014، استخدمت الوزارة أول تجهيزات من نوعها في مستشفى القاسمي تتيح إمكانية قيام إنسان آلي بإجراء عمليات القسطرة والجراحة القلبية. وتم بعد ذلك بيومين إجراء أول عملية روبوتية ناجحة

.ومما يدعوني إلى الفخر، أن جميع كوادرنا في قطاع الرعاية الصحية في الإمارات لا ينفكون يقدمون أفضل ما لديهم، لكننا الآن مطالبون بالقيام بما هو أفضل. فهذا ما تحرص قيادتنا على تذكيرنا به دوماً

.صحيح أن الأدلة بين أيدينا تشير إلى أننا نتقدم للأمام، لكن الطريق أمامنا ما زال طويلاً ومليئاً بالتحديات التي يتعين علينا التغلب عليها حتى نحقق هدفنا في توفير أرقى خدمات الرعاية الصحية لشعبنا

.لا شك أن التطورات التقنية غيرت كثيراً من الأمور التي نقوم بها، ليس في مجال الطب فقط، بل في جميع أوجه الحياة

فلم نعد بحاجة لأن نتعلم كيفية قراءة الخرائط – إذ يمكننا بكل بساطة استخدام خرائط جوجل. ولماذا نرهق أنفسنا بالحسابات الذهنية وجداول الضرب مع وجود الآلة الحاسبة. ولماذا نتعلم قيادة السيارات ونحن موعودون بسيارة بلا سائق وتستطيع أن تركن نفسها بنفسها؟

.أنا، مثل أي شخص آخر، تذهلني هذه التقنيات الإبداعية وأستمتع بها، لكني لا أعتقد أنه من الصواب أن نتوقف عن تعلم تلك الأشياء. إذ يجب علينا عدم القبول بمستقبل لأولادنا يحرمهم من تعلم أهم المهارات الأساسية في الحياة

!ومما يدعو للأسف أننا نسمع في أغلب الأحيان جعجعة ولا نرى طحناً. دعونا ننظر إلى المستقبل من هذا المنظور: لو كنا سنعتمد كلية على التقنيات المتاحة، لما أتيتم إلى دبي لحضور هذا الملتقى، لأنه كان بإمكانكم أن تشاركوا به عبر الإنترنت

.وما كنتم لتحظوا بفرصة الحوار مع نظرائكم أو الإصغاء إلى مداولات الخبراء المثيرة؛ كل ما كنتم ستفعلونه هو تنزيل ذلك من متجر التطبيقات. وما كانت فكرة المؤتمر ستثير فيكم روح الإلهام لو لم يمكنكم من مقابلة أصدقائكم وزملائكم، بل كنتم ستكتفون بقراءة الأسئلة والأجوبة على الموقع الإلكتروني

وبوجود كل هذه التقنيات المثيرة من حولنا، قد يشفع لأي منا أن يسأل: "ما الداعي لأن نهتم بعد الآن بأشياء تصنعها يد "الإنسان"؟

.إن بعض أجمل المصنوعات اليدوية في عالمنا اليوم، مثل الحاسوب الفضائي القديم المعروف باسم الأسطرلاب أو أداة الحساب الصينية المعروفة باسم الأباكس، إنما تستمد قيمتها من كونها مصنوعة يدوياً

.فما الذي يجعلنا نهتم بزيارة صديق مريض أو نقوم بأي تواصل بشري أصلاً؟ الحقيقة هي أنه مهما بلغت التطورات التقنية من تقدم، لن يكون هناك بديل للمسة الإنسانية. وما من مكان تكون الحاجة فيها أمس لهذه اللمسة من مجال الرعاية الصحية

ومع أن العالم كله يتحول إلى الأنظمة الرقمية، وفي كل يوم نشهد مزيداً من التطورات في قطاعات شتى، ما تزال هناك الكثير من التقنيات الطبية التي يبلغ عمرها عدة عقود. فحتى اليوم، ما زالنا نرى في حقيبة الطبيب السوداء المعروفة سماعة طبيب عمرها 150 سنة مع رباط قياس ضغط الدم البالغ عمره 100 عام، أكثر مما نرى الأجهزة الإلكترونية الحديثة. إن تصميم التقنيات الطبية الجديدة واعتمادها ما زال .بطيئاً إلى حد كبير، ربما بسبب حرصنا على إنقاذ الأرواح، ما يولد لدينا نهجا متحفظاً في التعاطي مع المخاطر

.ومع ذلك، ورغم نهجنا المتحفظ، فإننا نشهد بالفعل تطوير تقنيات التغيير المفاجئ في التعامل مع كثير من المشاكل التي نواجهها في قطاع الرعاية الصحية. وكما يعلم الكثير منكم، فإن تقنية التغيير المفاجئ (disruptive technology) هي طريقة جديدة، غير مثبتة، للقيام بشيء ما تؤدي في الغالب لإبطال العمل بالطريقة التقليدية

.والمعتاد أن المختصين في مجال الرعاية الصحية يفضلون التقنيات المعروفة المستدامة المتطورة باستمرار، ويقولون لي إنهم يجدون تقنيات التغيير المفاجئ تفتقر للضبط الدقيق، وغالباً ما تواجه مشاكل تأسيسية، كما أنها في كثير من الحالات تفتقر للتطبيق العملي المثبت علمياً، رغم ما فيها من تطور تقني رائع

فالبيانات الجينية أصبحت الآن متاحة لمئات البشر، مبينة ما هي الحالات الصحية التي يمكن أن يتعرضوا لها. كما أن الأجهزة القابلة للارتداء التي تقيس المؤشرات الحيوية والصحية في أي مكان – وليس في عيادة الطبيب أو المستشفى فقط – تواصل تطورها ونموها بنسبة 20% في السنة، وقد بيع منها أكثر من 230 مليون جهاز في عام .2015

.قد تتصورون أن من الغريب أن يكون قطاع الرعاية الصحية مكاناً مناسباً لانطلاق الأنظمة الروبوتية. فالعناية بشخص ما في النهاية أحد أكثر الأمور التي نقوم بها إنسانية. ومع ذلك فإن الروبوتات تحرز تقدماً ملفتاً في هذا المضمار، سواء من حيث ما يمكنها تقديمه أو من حيث تقبلها من جانب المرضى ومختصي الرعاية السريرية

تستخدم الروبوتات بطرق عديدة ومتنوعة، كتدريب الأطباء المستقبليين وإعادة تأهيل المرضى والتعويض عن طرف أو عضو مفقود من أعضاء الجسم والتمكين من إجراء عمليات كانت مستحيلة سابقاً، وغالباً ما تكون مضاعفاته أقل وفترة الإقامة في المستشفى أقصر وبتكاليف أقل ونتائج أفضل.

.في أحد أفلام الخيال العلمي، يشخص طبيب حالة مريضه بجعله يبتلع جهاز استشعار بالغ الصغر. لكن هذا الأمر بات موجوداً في الواقع من خلال حبة "البيلكام" التي يبتلعها المريض وهي عبارة عن حبة مزودة بكاميرا ترسل صور فيديوية حية من داخل الكولون. لقد بات الخيال العلمي واقعاً معاشاً

.أعتقد أن السؤال الفعلي الذي ينبغي أن يطرح هنا هو: كيف يمكننا أن نحول كل هذه التطورات التقنية إلى فوائد ملموسة للمرضى؟ فهذا أمر صعب لأن التعليم الطبي يركز على معالجة المرض باستخدام تقنيات قديمة تم التثبت من فعاليتها، ما يجعل الأطباء نسبياً غير مهيئين لاعتماد التقنيات الحديثة

.كما أن هناك مصاعب تواجه الجهات التنظيمية في التعامل مع هذه لإبداعات الجديدة، إذ لا تتوفر في الغالب أدلة تؤكد أن إدخال هذه التقنيات الجديدة سيحقق أي فائدة للمرضى، بل والأهم ربما أنها لا تضرهم

.والمرضى أيضاً ليسوا أقل حيرة أمام هذه التطورات. قد يكون بمقدورنا توفير أجهزة الاستشعار الطبية للجميع، لكن هذه الأجهزة تقدم معلومات أولية، وفي أغلب الحالات دون تفسير لمعناها، ودون إرشادات حول ما ينبغي فعله حيال هذه المعلومات. ولذلك سرعان ما يصاب المرضى بالإحباط وفقدان الاهتمام، وينتهي المطاف بالجهاز مرمياً على طاولة المطبخ

.لقد جعلت شبكة الإنترنت المعلومات في متناول الجميع – فأي شيء لا نعرفه، نسأل عنه "جوجل". لذلك ليس مستغرباً أن 90% من المرضى يستخدمون "جوجل" للبحث عن معلومات طبية

.وإضافة إلى ذلك، فإن توفر الحلول الحسابية أو الخوارزميات والتطبيقات وأجهزة المراقبة الصحية الذكية ورخص تعقب مجموعات الجينات الوراثية "الجينوم" منح المرضى قدرة أكبر على اتخاذ القرارات الطبية دون استشارة الأطباء. لكن غياب خبرة الأطباء قد تعرض المرضى للوقوع ضحية للمعلومات الخاطئة

.فقد ذكر تقرير نشرته مؤخراً مجلة العلوم الأمريكية "ساينتفيك أميريكان" أن المرضى باتوا في الأغلب يعتمدون على معلومات مستقاة من الإنترنت لاتخاذ قرارات بشأن صحتهم، رغم قلة ما يعرفونه عن مدى دقة هذه النصائح الطبية المقدمة لهم عبر الإنترنت

.فأقل من 50% من أصل 1300 موقع إلكتروني تمت دراستها تقدم توصيات تتماشى مع التوجيهات الطبية الحالية، و20% منها تعطي إرشادات غير صحيحة

لقد أدت وفرة المعلومات المتاحة إلى تهميش العلاقة المقدسة التي كانت قائمة في ما مضى بين الطبيب والمريض. وأظهر بحث نشرته مؤخراً مجلة نيو إنغلاند الطبية أن ثقة الجمهور بأقطاب مهنة الطب في الولايات المتحدة قد انحدرت انحداراً حاداً على مدى الخمسين سنة الماضية حتى لم يعد يثق بأقطاب مهنة الطب سوى 34% عام 2012 مقارنة بثلاثة أرباع من استطلعت آراؤهم تقريباً عام 1966

.ومع ذلك فلا شك أن الجمهور ما زال يعتبر الأطباء أفراداً يتمتعون بالاستقامة، وقد صنفهم 69% من المستطلعة آراؤهم على أنهم ذوو مصداقية ومعايير أخلاقية عالية أو عالية جداً

.وبات واضحاً أنه ليس لدينا في الواقع خيار سوى الإقبال على تقنيات التغيير المفاجئ للنظم التقليدية، وإلا فإننا أمام خطر تغيير العلاقة بين الطبيب والمريض ومجافاة مرضانا

.قد تساعد تقنيات التغيير المفاجئ في تقديم رعاية صحية أفضل. فهذه التقنيات الجديدة، إذا ما طبقت بأسلوب صحيح، يمكنها أن تساعد الأطباء في المهمات الروتينية، ما يمكنهم من قضاء وقت أكبر مع المرضى

.فتقنيات التطبيب عن بُعد وتطبيقات الصحة الذكية والخوارزميات وتحليل البيانات واكتشاف الأنماط يمكنها أن ترتقي بمستوى الإجراءات الفعلية. كما يمكنها، مقرونة باللمسة الإنسانية، أن توفر علاجات ذات تكلفة أجدى وتوفر نتائج أفضل

.لقد ألمحت آنفاً إلى صعوبة اعتماد التقنيات الجديدة في الرعاية الصحية. ولضمان نجاح هذا الاعتماد، لا بد لنا من تزويد الطبيب والمريض والنظام ككل بالأدوات والمعارف المناسبة

.ولا بد لنا أيضاً من تطوير برامج التدريب الطبي حتى نضمن كفاءة أطباء المستقبل في استخدام التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الأنظمة الرقمية. وعندما يتم استيعاب ذلك، تكون المسؤولية على عاتق أخصائيي الرعاية الصحية في ضم جهودهم إلى جهود الجهات التنظيمية لضمان إدخال الأنظمة الجديدة بطريقة مدروسة ومستدامة وقادرة على تحقيق نتائج واضحة للمرضى

.ويتعيّن علينا مواصلة تشجيع المرضى على مراقبة صحتهم بأنفسهم، وذلك بتزويدهم بالمعلومات والتوجيهات التوعوية الصحيحة والأجهزة الذكية التي تمكنهم من جمع المعلومات وتفسيرها والتصرف بناء عليها من أجل الارتقاء بحالتهم الصحية

كما يتعيّن علينا ألا نسمح لتقنيات التغيير المفاجئ بأن تصبح تقنيات مدمرة. فالتقنيات الجديدة ينبغي أن تحفزنا على التفكير بأسلوب مختلف؛ لا أن تكون سبباً لتوقفنا عن التفكير. فالآلات تتخذ قرارات أفضل عندما تكون المهمة بسيطة والجواب يقيني. لكن الأمر لا يكون كذلك دوماً، فهناك أحياناً حالات يكتنفها الشك، ومناطق رمادية، وهذه تحتاج إلى العقل البشري والقدرة على اتخاذ القرارات العملية والخبرة وفي كثير من الحالات شعور داخلي يدفعك لاتخاذ الخيار المناسب

.صحيح أن الإجراءات المتكررة يمكن أتمتتها لتقليل التباين وتحسين النتائج، لكن ثمة أشياء في كل إجراء تتطلب لمسة ومهارة إنسانية. فينبغي ألا نؤتمت أمراً على حساب قوانا العاملة ما لم تكن هناك فوائد واضحة لمرضان

.فالأتمتة واستخدام الذكاء الصناعي قد يساعد الشركات في إضفاء الانسيابية على عملياتها والاقتصاد في مواردها الشحيحة، لكن لا بد من الاستيعاب والمحافظة على القوى العاملة التي يستغنى عنها بفعل الأتمتة.

.وعلى المدى الطويل، يتعين علينا أن نوفر البدائل لهذه القوى العاملة، لا في الاقتصادات الناضجة فحسب، بل أيضاً في الاقتصادات النامية ذات المعدلات العالية في نمو السكان. فعدم توفير ذلك سيجهض النمو الاقتصادي وأداء الأسواق كما سيحرم الناس من حقوقهم

.وقد أظهر استطلاع لآراء الشباب العربي السنة الماضية أن الدافع الأكبر وراء التطرف هو البطالة. وأنت في عملك ضمن القطاع الطبي، يمكن أن تقنع نفسك بأنك تنقذ حياة إنسان من خلال أتمتة شيء كان يقوم به إنسان سابقاً، لكنك بذلك أيضاً حرمت كثيرين من وظائفهم. لذلك لا بد لنا من إيجاد التوازن على نحو تعود فيه الأتمتة دوماً بالخير دون الإضرار بأناس قد لا يكونون مرضى، لكنهم لديهم أسر يعيلونها

.إضافة إلى ما سبق، من سيبدع إذا لم يبق لدينا سوى الإجراءات المعيارية التي يمكن أتمامها والتحكم بها حسابياً بسهولة؟ هل كان السير روي كان Roy Cahn سيجري أول عملية زراعة للكبد والقلب والرئتين؟ هل كنا سنمتلك تقنية التخصيب في المختبر اليوم؟ كيف كنتم ستقنعون أصحاب النظرة التقليدية أن دبي، تلك المدينة القابعة في صحراء الجزيرة العربية، أصبحت ما هي عليه اليوم؟

.انظروا من حولكم إلى برج خليفة، وقناة دبي، وطيران الإمارات، وتلك القائمة الطويلة من الإنجازات. هل كانت هذا الأفكار من صنع الآلات، أم أنها رؤية قائد ملهم هو صاحب السمو الشيخ محمد، الذي تحدى المنطق الآلي والتفكير التقليدي وحقق ما كان كثيرون يعتبرونه مستحيلاً

.وأهم من ذلك كله، وبعيداً عن البراعة المعمارية التي تفخر بها دبي ودولة الإمارات، فلننظر إلى قيادة هذا البلد التي خلقت ثقافة من الانسجام والسلام بين أكثر من 200 جنسية

.وفي النهاية، لو سألتم قادتنا ما هو أهم أمر بالنسبة لهم، لقالوا لكم: "الإنسانية". وهذا هو بيت القصيد، وهنا نقطة التوازن. لقد راينا شتى أنواع الآلات والتقنيات التي شيدت الصروح المعمارية، لكنها كانت في النهاية صروحاً لمنفعة البشر، لتوفر لهم مأوى للمستقبل. هذا التوازن نفسه لا بد من إيجاده ما بين الإبداع التقني والطب

.مع أخذ هذا كله في الاعتبار، أتمنى لكم النجاح والتوفيق في العام الجديد 2017 وما بعده، وأحثكم كأطباء ومقدمي خدمات رعاية صحية وأرباب صناعة وشركات تجهيزات طبية وجهات تنظيمية وشركات تأمين للعمل معاً في سبيل ضمان انسجام هذه الثورة المذهلة في التقنيات الطبية مع عمل الأطباء لتحقيق أفضل النتائج، وعدم اعتبارها بديلاً للإنسان

.شكراً لكم