13 Feb 2017

صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا بنت الحسين تتحدث عن مستقبل المساعدات الإنسانية خلال القمة العالمية للحكومات في دبي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم،

أصحاب السمو والمعالي والسعادة،

...الحضور الكريم

 

.يشرفني اليوم أن أقف بينكم لأشارككم قصة العمل الإغاثي الإنساني ومستقبله في ظل عالم مليء بالأزمات... وأتناول جانبا من المسيرة الإنسانية في دولة الإمارات

 

لكن دعوني اتوقف هنا لأدعوا إلى الله العلي القدير وأطلب الرحمة لروح شهداء أبناء الإمارات الذين استشهدوا مؤخرا بقندهار اثناء أداء الواجب في مساعدة المنكوبين والمحرومين . . رحمهم الله جميعا وأثاب أهلهم الصبر والسلوان.

 

وهؤلاء النشامى يسيرون على خطى القائد المؤسس سمو الشيخ زايد وأخيه سمو الشيخ راشد طيب الله ثراهما .. ويواصل المسيرة ويقود هذا العمل النبيل رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفه بن زايد حفظه الله، ويتابعه عن كثب وعلى المستويين الإقليمي والعالمي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وحكومته الرشيدة، وإلى جانبه أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة .. وتقف أم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك حفظها الله قدوة وسندا لجميع .الجهود الإنسانية المبذولة

 

وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – OECD - فدولتنا الأمارات ومنذ عام 2013 وحتى الآن هي من أكبر الدول المانحة بالعالم، إذ قدمنا ما نسبته 1.3 من الدخل القومي الإجمالي، كمساعدات تنموية وإنسانية

...وسجّلت دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2015 ارتفاعا في حجم المساعدات الخارجية بنسبة 43 % لتصل إلى أكثر من 32 مليار درهم، أي ما يعادل 8.8 مليارات دولار

 

وقصة العطاء تتواصل، إذ أعلن رئيس الدولة سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مؤخرا عام 2017 عام "الخير"، بهدف نشر روح المساهمة في رد الجميل للمجتمع وتقوية روح التطوع

 

الحضور الكريم

وحسب خبرتي التي جاءت من خلال تشرفي بإدارة المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، التي تأسست عام 2003 وأصبحت اليوم بتوجيهات سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الحكيمة أكبر مدينة لوجستية للمساعدات الإنسانية عالميا، وأصبحت كذلك الأولى عالميا في سرعة الاستجابة والتي لا تتجاوز 6 ساعات فقط لمعظم مناطق النزاعات

والرؤية جاءت لإقامة منطقة تجارة حرة للخدمات الإنسانية، واستضافة الجهات الرائدة في هذا المجال تحت سقف واحد . .. وبالفعل لدينا الآن 9 منظمات تابعة للأمم المتحدة، والهلال الأحمر، والصليب الأحمر، وأكثر من 50 منظمة دولية

 

والمبدأ الذي نسير عليه هو الاستجابة السريعة...وقبل ذلك، نقوم في العمل التنسيقي وتقديم التسهيلات المطلوبة لتمكين المنظمات التي نستضيفها هنا لأداء عملها... فبفضلهم وعملهم الميداني المميز وصلنا إلى ما نحن عليه الآن

وعندما قررت الأمم المتحدة إجلاء موظفيها بسبب الاعتداء الإرهابي عليهم، من كابول إلى الأمارات، تمكنا من انجاز المهمة في غضون 3 ساعات فقط. وذات العمل تم عندما قصفت مكاتب برنامج الغذاء العالمي في اسلام أباد. وهكذا فريقنا جاهز للعمل في أي مكان في العالم

وهذه المهمات الإنسانية يتابعها سمو الشيخ حمدان بن زايد رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، الذي يوجه نشامى الإمارات العاملين في الميدان

 

وهنا نشكر سمو الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية لدعمه المستمر للمجموعات الميدانية.

 

الأخوات والأخوة،

:أرى الكثير من القيادات الحكومية وصناع القرار هنا… فدعوني اذكّر من فاته ببعض الحقائق

لقد نزح أكثر من 65 مليون شخص من منازلهم بسبب الحروب الدائرة في سوريا، اليمن، العراق، ونيجيريا وغيرها من مناطق التوتر، لتسجل أرقاما فاقت ما سجلته الحرب العالمية الثانية

أما الكلفة فأكثر من مذهلة… إذ ارتفع حجم المساعدات الإنسانية الآنية المطلوبة من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية إلى 22 مليار دولار، أي أكثر من عشرة اضعاف ما طلب عام 2000

ولا يزال نحو 800 مليون فرد يعانون من اسوأ أشكال الجوع وأصعبها

وللعلم... وبالإضافة إلى العديد من الكوارث والمآسي الإنسانية التي أمامنا فقد توقع تقرير اممي تعرض نحو 50 مليون إضافي للنزوح عن منازلهم بسبب التصحر وتغيير المناخ خلال العشرة سنوات القادمة...

 

السيدات والسادة

من منا لم يشاهد الرعب والأسى الذي خلفته هذه النزاعات؟

وبعضها طبعت في ذاكرتنا إلى الأبد... كصورة الطفل الذي سحبته المياه إلى شواطئ المتوسط، والدمار الدموي داخل المستشفيات التي قصفت في سوريا، والمآسي اليومية في غزة وغيرها.

 

ورغم التحديات... إلا أننا ومنذ أكثر من ستة عقود ونحن نعمل بنظام تقليدي في مجال المساعدات الإنسانية .. هذا النظام كان يعتبر ابتكارا آنذاك.. فخطة مارشال التي تم وضعها لإخراج أوروبا من الجوع والفقر بعد الحرب العالمية الثانية، هي المعيار الذي لا زلنا نعتمده عالميا اليوم

 

ولكن يبدو أن قطاعنا يقف ضد الإبداع والابتكار والتكنولوجيا، وضد اي طريقة تفكير غير تقليدية

 

وبصراحة، سواء كنت تمثل حكومات عربية أو غربية مانحة، فكلاهما يعاني اليوم من الشعور بالإرهاق العميق ... والجهات الفعالة على الأرض تطالب صناع القرار السياسي الحيلولة دون ضياع مليارات الدولارات

 

الحضور الكريم

القضية ليست فقط ما نتعامل معه على الأرض.. ولكن إن لم نتحرك... سنفقد إنسانيتنا.. وهذا اسوا بكثير من وقع الكارثة

 

أنتم كحكومات تملكون القرار في إيجاد الحلول لجميع الازمات التي تدور من حولنا.. وبخاصة السياسية.. ولكن بإمكانكم أيضا تمكين الفرق التي تعمل في مجال الإغاثة والعمل الإنساني

 

ورغم عدم اعلان حكومات نسبة الذين يعانون من الجوع والفقر، تمشيا مع ثقافة العيب، أستطيع أن أجزم ان استراتيجية عملنا في المجال الإنساني

يجب ان تبدأ أولا بإنهاء الجوع تماما... أي ليصل إلى نسبة الصفر

ومن ثم محاربة الفقر من خلال المشاريع التنموية والتخطيط السليم، وضمان الشفافية

 

بصراحة.... الجياع لا يفكرون باي شيء سوى الحصول على رغيف الخبز أولا

 

وتفيد التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO ان قيمة

مخّ لفات الطعام التي تضيع سنويا تصل إلى نحو 2.6 تريليون دولار

هذا الطعام الضائع يمكن أن يُطعم ثلاثة أضعاف سكان الأرض، بمن فيهم ال 800 مليون جائع

 

والمحرك الأساسي للوصول إلى هدف انهاء الجوع هو في الإرادة السياسية.. وهنا في الامارات اتخذت خطوة رائدة وثابته من خلال مبادرة سمو الشيخ محمد بن راشد الأخيرة تأسيس بنك الإمارات للطعام، برئاسة سمو الشيخة هند بنت مكتوم بن جمعه آل مكتوم، صاحبة الأيدي البيضاء... ونأمل أن تسير جميع الحكومات على نفس الخطى

 

الحضور الكريم

يجب أن نخرج عن الطرق التقليدية في شكل المساعدات والإغاثة

ولنتفق على أن تقديم المساعدات ليس للمنافسة او الاحتكار... وأن الابتكار ضرورة أساسية في عمليات الإغاثة، التي هي استثمار في المستقبل والأمن الداخلي كالتعليم والصحة

 

ولا شك ان انتشار الهواتف النقالة ساهمت في تغيير شكل المساعدات الإنسانية بعدد من المناطق النائية او البعيدة، مثل الحد من انتشار مرض الأيبولا في غرب افريقيا وساهمت في استهداف الشريحة المطلوبة بشكل أفضل واسرع

 

ونعرف عن استخدام الدرونز في نقل اللقاحات لبعض المناطق النائية في افريقيا، وكذلك استخدام الأقمار الصناعية في تحديد المناطق المنكوبة

هذه جميعها جيدة.... ولكن الكوارث متزايدة

 

الحضور الكريم

نحن في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية بدأنا في جمع المعلومات

بحيث تساهم في زيادة سرعة الاستجابة للكوارث...

وسوف نستضيف الابتكارات المرتبطة في العمل الإنساني وعقد نشاطات على مدار السنة

 

ولهذا ادعو لإنشاء "بنك المعلومات اللوجستية الإنسانية" هنا في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية دبي....

 

واطلب من حكومات العالم توثيق بياناتهم في هذا المجال خدمة للجميع

وكذلك أدعو بيوت الابتكارات في العالم للعمل معا لإيصال الخدمات للعاملين في مجال الإغاثة

في الختام

إن مبادرة "بنك المعلومات اللوجستية الإنسانية" المعتمدة على الابتكار والتكنولوجيا هي واحدة... ولكن هناك الكثير من الاحتياجات وكذلك الأفكار

 

فنحن بدولة الأمارات العربية المتحدة لدينا القدرة على دعم الابتكارات لأن هدف القيادة واضح وهو بناء دولة المستقبل لضمان الأفضل لعالم يسوده السلم والأمن وركيزته الإنسانية

 

فهذه مسؤوليتنا.. وهذه انسانيتنا... وهذا ما ستحاسبنا عليه الأجيال القادمة

أحييكم جميعا.. فأنتم بين أهلكم في دولة الإمارات.. وأسلم عليكم