25 Apr 2008

بماذا سنعد الجياع في العالم هذه المرة؟

بماذا سنعد الجياع في العالم هذه المرة؟ الاقتباسات مجلة ذا تايمز (الموقع الإلكتروني) ***

عندما كنت فتاة صغيرة، حكى لنا والدي، الحسين ملك الأردن، قصة عن آخر أزمة غذائية عالمية وعن وعد شهير تعهد به للجياع في العالم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك السيد هنري كيسنجر. جاء السيد كيسنجر إلى عمّان عقب حضور المؤتمر العالمي للغذاء في روما عام 1974، الذي عقد على وجه السرعة بعد تصاعد أسعار الأغذية عالمياً تصاعداً هائلاً وأوشك تفشي الجوع على نطاق واسع أن يحيق بدول العالم النامي. وذكر الوزير كيسنجر كيف أطلق وعده الشجاع بأن لا يبقى خلال عقد من الزمان طفل يأوي إلى فراشه وهو جائع في أي مكان في العالم. يتعيّن علينا دون شك أن نكبر فيه هذا الطموح وروح التفاؤل، لكن للأسف بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على ذلك الوعد، نجد أن عدد الأطفال الجياع في العالم يفوق عدد الأمريكيين. ويزداد هذا العدد بمرور كل أسبوع في ظل ازدياد معاناة العائلات التي كانت مكتفية نسبياً ذات يوم في الكامرون وإندونيسيا ومصر وهي تكافح لمجاراة ارتفاع تكاليف الحصول على وجبة طعام تحفظ للمرء كرامته.

ولو عدنا إلى سبعينيات القرن العشرين، نجد أن أوضاع الأسواق العالمية قد تحسنت في نهاية المطاف، وكان مرد ذلك جزئياً إلى الثمار الإيجابية السريعة التي بدأت تعطيها الثورة الخضراء في جنوب آسيا. لكن البنوك التنموية ووكالات المساعدة والمانحين سرعان ما نسوا درس الأزمة، فخفضوا نسبة المساعدات التي خصصوها للزراعة بمقدار النصف رغم التحذيرات المتكررة لهم من قبل منظمة الأغذية والزراعة. ولم يكن عمل الحكومات في الدول النامية أفضل حالاً، فقد فشلت في استثمار ما يكفي من الأموال الزراعة. وولوا وجوههم شطر وجهة أخرى في الوقت الذي بدأت فيه أعداد الجياع تتزايد مرة أخرى في تسعينيات القرن العشرين. وباختصار، في موضوع الغذاء، كانت مؤسسات المانحين تقود السيارة وهي نائمة أو على الأقل وهي تشعر بنعاس شديد: لقد دق برنامج الاغذية العالمي ناقوس الخطر لعدة سنوات محذراً إياهم أن ارتفاع أسعار الغذاء والنقل سيؤدي إلى تآكل ما يقدمونه على الأرض. فقد بدت أعراض الأزمة الغذائية المصاعدة، وكانت جلية لكل من اراد أن يراها. فكانت هناك بداية أحداث الشغب في مدينة مكسيكو سيتي للاحتجاج على أسعار الذرة ثم تبعها بشكل مفجئ أسعار الأراضي الزراعية في أيوا التي أخذت ترتفع بوتيرة أسرع من أسعار الأراضي العقارية في بلغرافيا أو منهاتن. والاتحاد الأوروبي الذي كانت تتراكم لديه على مدى سنوات بحيرات من فائض الزيت وجبال من الذرة، بدأ يطلب من مزارعيه إعادة الأراضي للإنتاج وشهدت الأسواق نقصاً في كميات الحليب.

وفي الفترة ذاتها، عملت الولايات المتحدة بشكل هادئ على خفض كل الإعانات الحكومية المقدمة لمنتجي الحبوب لديها وشهدت ما يشبه الإنفجار في صادرات الأغذية. وفي النهاية، بدأ المستهلكون حول العالم يحتجون على دفع أسعار أعلى لشراء احتياجات الأسرة من البقالة؛ وانتشرت أعمال الشغب التي بدأت في مكسيكو سيتي إلى مدن أخرى. وحتى لو انخفض حجم الإنتاج الاقتصادي العالمي هذه السنة، فإن الطلب على الغذاء سيواصل الضغط لزيادة الإمدادات، أو كما قال أحد المختصين بتنبؤات الأسواق: "الغذاء هو النفط القادم." وهكذا سيحظى أخيراً باهتمامنا.

يشكل ارتفاع تكاليف الغذاء قلقاً كبيراً لدى الكثيرين، لكنه يشكل خطراً محدقاً لـحوالي 850 مليون شخص يعانون من جوع مزمن لأنهم لا يكسبون من المال ما يكفي لشراء هذه الجريدة. فحتى عندما كانت أسعار الغذاء رخيصة، كان هؤلاء الناس يعانون من سوء التغذية والأمراض التي حالت بينهم وبين مواكبة ارتفاع مستويات الدخول في العالم. فقد كان أمل أطفالهم المصابين بالتقزم بالمستقبل قليلاً وأصبح اليوم أقل. وحتى الآن، لا تزال استجابة المانحين تجاه مشكلة الجوع، إذا ما استثنينا الحالات الطارئة التي يسوّق لها الإعلام جيداً كما في دارفور، استجابة فاترة  في أحسن الأحوال. فمن وجهة نظر سطحية، تبدو المساعدات التنموية الرسمية في أعلى مستوياتها تاريخياً، حيث تخطت عتبة المئة مليار دولار، إلا أن أكثرها يكون على شكل إعفاء من الديون، ولا يترك أثراً يذكر على سعر وجبة الطعام في القرى الأفريقية. كما أن تحويلات المساعدات إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء – التي يعاني فيها شخص من كل ثلاثة أشخاص من جوع مزمن – تراجعت فعلياً في الفترة الأخيرة. بل والأسوأ من ذلك فإن المساعدات الغذائية انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ أن ألقى هنري كيسنجر خطابه الشهير في روما، حيث نزلت إلى 6.7 مليون طن متري عام 2006 – أي أقل من نصف الكمية التي كانت عليها عام 2000.

ولم يقم أحد فعلياً بدق ناقوس الخطر عندما حصل ذلك. واليوم، نرى البنك الدولي والمانحين الأطراف يتهافتون للتعويض عن نقص الاستثمار في الزراعة الذي دام عقوداً من الزمن. لكن الأمر قد لا يكون بهذه السهولة؛ فلمجرد إطعام نفس العدد من المحتاجين الموجودين هذا العام، طلب برنامج الأغذية العالمي زيادة مقدارها 500 مليون دولار. إن إعلان الرئيس بوش تقديم 200 مليون دولار من احتياطي الطوارئ الأمريكي سيساعد، لكن حجم المخزون في العالم انخفض بشكل مخيف. كما أن الحد من إنتاج أنواع الوقود الحيوي قد يساعد أيضاً... لكن خبراء الاقتصاد يرون أن أثر هذا الأمر سيكون محدوداً على محصول القمح أو الأرز أو على معالجة المشكلة الجوهرية للطلب المتزايد في آسيا.

إذاً، ما الذي يمكننا فعله أكثر من ذلك؟ وحقيقة الأمر، إن مبادرة المليار دولار التي أطلقها الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان بالتعاون مع مؤسستي جيتس وروكفيلر لبدء ثورة خضراء في أفريقيا تمثل بارقة أمل تلوح في الأفق. فلقد كانت الثورة الخضراء الأولى هي التي ساعدت الهند كثيراً خلال أزمة النقص الغذائي في السبعينيات. لكن في نفس الوقت، فإن الرسالة التي يجب أن تصل للمانحين – من الجهات العامة والخاصة – بسيطة جداً وهي: الغذاء يجب أن يكون على رأس الأولويات. فأفقر سكان العالم يعيشون في مناطق زراعية: لذلك فإن توفير أنواع جديدة من البذور ونظم الري على نطاق محدود والخدمات التعليمية ستساعدهم في إحداث نقلة نوعية في حياتهم. ولندعو الله ألا نسمع مزيداً من الوعود الزائفة وأن نفعل كل ما في وسعنا لتحقيق ما وعد به هنري كيسنجر أطفال العالم بافتخار قبل ما ينوف على ثلاثة عقود: وهو الوعد بأن يعيشوا حياة لا جوع فيها.