17 Nov 2009

خريطة الجوع في العالم

خريطة الجوع في العالم الاقتباسات هفينغتون بوست لا بريس، مونتريال، كندا أوتاوا سيتزن، أوتاوا، كندا هلسينغ سانومات غوتبورغ بوستن *** يحيق الجوع اليوم بحياة أكثر من مليار شخص ـ وهو رقم قياسي جديد. وعليه اجتمع قادة العالم في السادس عشر من نوفمبر في قمة للأمم المتحدة بروما لمناقشة ما ينبغي القيام به حيال ذلك. أحسست - بصفتي السفيرة السابقة للنوايا الحسنة لبرنامج الأغذية العالمي- كيف يمكن أن يسير الاجتماع. سيكون هناك تركيز لوسائل الإعلام على السياسيين أكثر من التركيز على جوهر الموضوع، وعدد وفير من الخطابات يتم إلقاؤها، وسلسلة من مآدب الغداء الفاخرة ـ مع المزيد من الخطابات. وأذكر أنني تساءلت في إحدى مآدب الغداء المماثلة: ماذا لو كان بإمكاني بطريقة سحرية أن أنقل الألف سعرة حرارية في طبق السوفليه فانيليا الموجود أمامي إلى طفل يعاني من سوء التغذية يتسول في الأحياء الفقيرة من نيروبي؟

إن من شأن تقاسم السعرات الحرارية الزائدة التي تؤكل في الولايات المتحدة وأوروبا وحدهما أن يضع حداً للجوع في أفريقيا. تسلط هذه التخيلات الجميلة الحالمة، الضوء على بعض الأوجه الرهيبة من غياب العدالة في تعامل العالم مع موارده الغذائية. ففي عام 2006 وضع برنامج الغذاء العالمي خريطة تبين تفاصيل استهلاك الغذاء في العالم، ولكنها لم تنشر علناً قط. وأطلق عليها اسم " خريطة الدهون" وهي تظهر أين تذهب سعرات العالم الحرارية. وأحجام الدول فيها تكبر أو تتقلص بناءً على مقدار ما يأكله الشخص العادي فيها. وهي بذلك خريطة لمناطق المجاعة أو التخمة، حسب الزاوية التي تنظر منها إليها.  وسوء توزيع الغذاء هو أعمق حتى مما تشير إليه "خريطة الدهون". ففي الهند على سبيل المثال يعيش أكثر من 300 مليون شخص ممن يعانون من زيادة الوزن جنباً إلى جنب مع 300 مليون شخص آخرين يتضورون جوعاً. وتتزايد الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب التي تنجم غالباً عن الإفراط في تناول الطعام في البلدان النامية بمعدل أسرع بكثير من تزايدها في دول الغرب الأكثر ازدهاراً. ففي منطقة الشرق الأوسط التي أنتمي إليها تشهد السمنة ارتفاعاً هائلاً وخاصة في أوساط الشباب.

وخلال عامي 2007ـ2008 فاجأتنا أزمة غذاء عالمية عندما ارتفعت الأسعار كثيراً. ولكن هل كانت الأزمة لتكون بهذه الحدة لو لم نكن معتادين على إهدار ما نملك من الغذاء؟ فنحن اليوم ندعو لاعتناق "أخلاقيات الطاقة" من خلال حشد الشباب الآراء ضد إهدارها ـ لكننا لا نرى دعوة إلى "أخلاقيات الغذاء" رغم أن الغذاء هو طاقة عضوية. فنحن نجلس ويرى بعضنا بعضاً ونحن نفرط في تناول الطعام ونرمي به في الفضلات دون تفكير. ويعتبر الإسراف في الرفاهية الزائدة كرم ضيافة، وكثيرون هم من يفترضون أن كونك والداً جيداً يتطلب مناأن نجبرأبناءنا وأحباءنا بالطعام. بل إن تناول الطعام أصبح رياضة تنافسية. ففي وقت سابق من هذا العام في تايوان أزهقت إحدى مسابقات الإفراط في تناول الطعام حياة طالب يبلغ من العمر 23 عاماً. وفي الرابع من تموز من كل عام في نيويورك يواجه شاب يدعى جوي تشيستنت خصمه اللدود الياباني تاكيرو كوباياشي في مسابقة لتناول الهوت دوغ ـ وفي العام الماضي التهم جوي 68 قطعة من الهوت دوغ خلال 10 دقائق ـ أي أكثر من مؤونة أسبوع من السعرات الحرارية لأحد الجياع الأفارقة. وذات مرة أجرى كوباياشي مسابقة تناول هوت دوغ مع دب كبير بني اللون ـ ولاقت نجاحاً غير مألوف على موقع اليوتيوب. (وفاز الدب).

إننا ندفع الثمن باهظاً لهذا الاستهلاك المفرط. فقد أظهرت الحسابات الأخيرة أن نفقات الرعاية الصحية المرتبطة بالسمنة في الولايات المتحدة بلغت 150ـ200 مليار دولار ـ أي أكثر من كل مساعداتها الخارجية في جميع أنحاء العالم. وتصل تكلفة الرعاية الطبية الإضافية للبدينين إلى مبلغ 1400 دولار لكل شخص سنوياً. وأكثر من 2 مليار شخص لا يكسبون مثل هذا المبلغ في السنة. وتعتبر خسائر الأغذية تجلياً آخر لاعتيادنا على الإفراط. فكل عام يكلف إهدار الطعام الشخص البريطاني العادي أكثر من 400 جنيه إسترليني سنوياً في حين تفقد الأسر الأمريكية أو تتخلص من 14 في المئة من طعامها. وتلقي محلات السوبر ماركت والمطاعم الأمريكية أكثر من 27 مليون طن أخرى في القمامة. وبإضافة خسائر المزارع وتجار الجملة تصل الفاتورة السنوية إلى أكثر من 100 مليار دولار فقط في الولايات المتحدة. ولا شك في أن أرقاماً مماثلة تظهر من تحليل الخسائر في الاتحاد الأوروبي وفي دول الخليج كذلك. وفي حين تظهر مبادرات لفرض الضرائب على الغذاء غير الصحي ولتحسين الثقافة الغذائية ووضع اللصاقات على الأطعمة لإظهار البصمة الكربونية اللازمة لإنتاجها، ليس هناك احتضان شعبي واسع للحاجة إلى تناول كميات أقل من الطعام والأكل بشكل مسؤول.

ولا يزال تجار التجزئة والمطاعم يبيعون المأكولات على شكل حصص غذائية وعبوات مما يشجع على الأكل الزائد والهدر. لقد حان الوقت للاعتراف بخسائر الطاقة والصحة والإنتاجية التي نتكبدها من استهلاك وإهدار المتزايد من الطعام. فحملات الصحة العامة التوعوية في جميع أنحاء العالم – بما في ذلك دول الخليج – تنبه حالياً إلى أن الوزن الزائد وقلة النشاط البدني له علاقة بأمراض القلب والسكري من النوع 2 والسكتات الدماغية وبعض أنواع السرطان. هل يلقى ذلك أذناً صاغية؟ في الحقيقة، وعقب سنوات من الاتجاه الصعودي لمستويات السمنة، وجد مركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة أن هذه المستويات بدأت أخيراً بالاستقرار. هل يغيّر تخفيض الإفراط في تناول الطعام والهدر حقاً معالم "خريطة الدهون"؟ لا ليس بمفرده. تقدر الأمم المتحدة أننا نحتاج إلى استثمار 30 مليار دولار إضافية في الزراعة سنوياً. ولكن يستطيع كل واحد منا أن يستهلك بمزيد من الحكمة وأن يتبرع بالطعام الذي يهدره الآن إلى أحد بنوك الطعام أو الجمعيات الخيرية. فإذا كان من المنطقي توفير الطاقة لماذا نقوم بإلقاء مواد غذائية تقدّر بمليارات الدولارات ونفرط في تناول الطعام إلى الحد الذي يهدد صحتنا ومستقبلنا؟ صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا بنت الحسين حرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم دبي، هي سفيرة الأمم المتحدة للسلام. أنشأت أول جمعية غير حكومية للمساعدات الغذائية في العالم العربي في وطنها الأردن وعملت سفيرة للنوايا الحسنة لبرنامج الأغذية العالمي (2005-2007).