01 Jan 2010

هايتي: حرب ضد الفوضى

هايتي: حرب ضد الفوضى الاقتباسات هفينغتون بوست ***

بورت أو برنس – يبدو مطار هايتي الرئيسي وكأنه ساحة حرب، لكن القوات المعسكرة على جانبي مدارج المطار في بورت أو برنس موجودة هناك لإنقاذ الأرواح وليس لإزهاقها. فهم جزء من تحالف عالمي للمواساة يضم كوكبة من وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الخيرية الخاصة وجمعيات الإحسان الدينية. الكل يعملون معاً لإغاثة الشعب الهايتي. والعدو هو الفوضى – الإنهيار السياسي والاجتماعي التام. من السهل انتقاد بطء عمليات الإغاثة، والمؤسف أن البعض ربما انتقد ذلك لمجرد الظهور الإعلامي. فخلال زيارة قصيرة قمت بها الأسبوع الماضي لمعاينة عمليات إيصال ما يقرب من 100 طن من الأغذية واللوازم الطبية والخيام وغيرها من المساعدات، رأيت بعضاً من الفوضى التي تحدث عنها النقاد. فقد تحول مدرج المطارالهادئ في دولة كاريبية محرومة اقتصادياً بشكل فجائي إلى واحد من أكثر مدرجات المطارات اكتظاظاً بالنشاط في العالم وقد بدأ الضغط والإجهاد واضحاً. وكانت الطرق المحيطة تغص بالعربات العسكرية وسيارات الأمم المتحدة وحركة المرور المحلية. لكنني رأيت شيئاً آخر في هايتي غالباً ما يغفله النقاد، وهو الأمل. وهذا له دلالة خاصة بالنسبة لأكثر الدول فقراً وافتقاداً للاستقرار السياسي في النصف الغربي من الكرة الأرضية. يبدو أن العالم بأكلمه قد هب لنجدة هايتي.  

لقد كان زلزال الثاني عشر من يناير كارثة حقيقية، لكن ما جرى بعد ذلك يعطينا درساً عما يمكن أن نفعله عندما نعمل يداً واحدة. والحقيقة إننا نقود حرباً في هايتي – إنها حرب من أجل البقاء. فحجم التحدي رهيب، وقد طال الزمان على بقاء المجتمع الهايتي عرضة للكوارث وحاجته الماسة للمساعدة الخارجية حتى قبل وقوع الزلزال. فأكثر الهايتيين يعيشون على أقل من دولاريين في اليوم، وثمانون بالمئة منهم يعيشون بحالة فقر. ويعاني 90% من أطفال هايتي من الأمراض المنتقلة بواسطة الماء ومن الطفيليات المعوية. كما أن نصف السكان أمييون، و80% من الهايتيين الذين يحصلون على شهادة جامعة يغادرون البلاد، آخذين معهم معارفهم وخبراتهمإلى بلد آخر. تفاقمت هذه المشكلات الأساسية بفعل الزلزال الذي دمر البنية التحتية الحيوية، بما فيها من مستشفيات ومرافق أخرى تحتل عادة مكان الصدارة في أعمال الإغاثة خلال الطوارئ. كما أن العاملين في مجال الإغاثة والمساعدة وعائلاتهم كانوا من ضمن القتلى والجرحى. وانهار مقر الأمم المتحدة في هايتي، متسبباً بوفاة 61 من أطقم الأمم المتحدة – وهي أكبر خسارة تتعرض لها المنظمة في تاريخها. وما يزال 100 منهم في عداد المفقودين.

ورغم هذه المآسي والصعاب، بدأت المساعدات بالتدفق ما أن توقفت ارتدادات الزلزال الأولية. ولعبت مؤسستان – غالباً ما يُطعن في سمعتهما – دوراً محورياً في الحفاظ على بارقة الأمل للشعب الهايتي. هاتان المؤسستان هما الأمم المتحدة والجيش الأمريكي اللذان اتخذا زمام المبادرة في انتشال هايتي من شفير الفوضى واليأس المطبق. فقد بدأ برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بتوزيع كميات من البسكويت الغني بالطاقة للجياع من الهايتيين في أول 24 ساعة بعد الزلزال وما زال عمله متواصلاً. وها هو ذا المجمع الميداني التابع للبرنامج في بورت أو برنس يعج بالخيم – وهي أقرب ما يشبه المسكن الذي أمكن توفيره لمعظم العاملين في الإغاثة منذ وقوع الزلزال. لقد تحرك الجيش الأمريكي بسرعة لحفظ النظام وتنسيق حركة طائرات الإغاثة وتوزيع الوجبات الجاهزة، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الجيش وزع 40% من إجمالي المساعدات الإغاثية في هايتي حتى الآن. لم تكن القوات الأمريكية وحدها. فقد قدمت حوالي أربعين دولة جنوداً أو عناصر شرطة ساهموا ضمن قوة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في هايتي.

وعندما زرت مقر قوة الطوارئ الأردنية المكونة من 1,200 عنصر، وجدت أن قائد القوة، الرائد عصام سويلمين، لم ينم منذ ثلاثة أيام. ويذكر أن ثلاثة عناصر من قوات حفظ السلام الأردنيين لقوا حتفهم في الزلزال. ورغم ما بدا عليهم من تعب وإنهاك، فقد كان تفانيهم في العمل مثالاً يحتذى. وثمة دول أخرى حول العالم تقدم المساعدة بطرق أخرى. فطائرة الإغاثة التي وصلت على متنها، والتي تم تنظيم رحلتها من قبل المدينة العالمية للمساعدات الإنسانية بدبي، كانت تحمل حوالي 40 طناً من المؤن والإمدادات من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم الخيرية التي كان قد أسسها زوجي الشيخ محمد. وثمة الكثير من الدول الأخرى التي تقدم المساعدات غير المتبرعين التقليديين من دول أمريكا الشمالية وأوروبا. فدول مثل ليبيريا والسنغال ورواندا، رغم فقرها، تعهدت بتقديم مساعدات مالية. كما قدمت جمايكا وإسرائيل والبرازيل وروسيا مستشفيات ميدانية. وكانت الصين أولى الدول في إيصال الشحنات الإغاثية إلى بورت أو برنس.

وتطول قائمة الدول المتبرعة وهي تزداد يوماً بعد يوم. وإذا ما أردت وصف الأوضاع في هايتي في ذلك الوقت، أقول بأن كلمة قاتم لا تكفي لوصف مستقبل الأوضاع في هايتي. وأكثر ما يقلقني هو أن يتدهور الوضع الأمني وتذهب كل أموال المساعدات سدى. فقد أدت حالة اليأس بالفعل إلى ارتكاب الجرائم وأعمال النهب. ومنبع قلقي الآخر هو أن يتحول الانتباه العالمي إلى مشاكل أخرى ما أن تبدأ الأوضاع في هايتي بالاستقرار. فاستعادة هايتي لعافيتها تتطلب التزاماً قوياً طويل الأمد، لاسيما ما يخص حكومتها الموهنة التي تتخذ حالياً ثكنات الشرطة مقراً لعملها. ما زلنا في مستهل المرحلة الأولى من عملية الإغاثة في هايتي، ولن تقل مرحلة إعادة البناء عنها صعوبة بل ستفوقها تكلفة. وما من شك أن هناك أخطاء سترتكب. لكن ينبغي علينا ألا ندع هايتي تنزلق في هاوية الفوضى. وهذا هو الوقت المناسب لنقدم التزاماً مستداماً للشعب الهايتي.