30 Nov 2011

هل مساعداتكم على جانب من الأهمية؟

اقتباسات موقع هفينغتون بوست الإخباري الإلكتروني جريدة لو فيغارو الفرنسية ديجين إندستري، السويد كلاسكامبن، النرويج ماسودون تولوفاسيوس، فنلدا تورونتو ستار، كندا ساوث تشاينا مورنينغ بوست، الصين ***

إن كنت قد أخرجت دفتر شيكاتك أو بطاقتك الائتمانية في السنوات القليلة الماضية وتبرعت بشيء من المال للمساعدة في إعادة بناء هايتي أو إنقاذ الباكستانيين من الفيضانات أو تمويل مدرسة في تنزانيا، فإن تبرعك هذا لم يفلح في الظهور ضمن أرقام المساعدات العالمية. لا تغضب كثيراً، فكذلك لم تظهر مبالغ المساعدات المتزايدة التي تنفقها الصين والبرازيل والهند وأعضاء منظمة الأوبك، ولا كرم مؤسسات جيتس وفورد وروكفيلر الخيرية أو العديد من المؤسسات الخيرية العربية الخاصة في دول الخليج العربي. كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ فرغم ازدياد الاهتمام السياسي بالمساعدات في الاجتماعات واللقاءات كالقمة الأخيرة لمجموعة العشرين في كان، ليس لدينا منهجية شاملة في تتبع المساعدات. بل لدينا نظام قديم لا يأخذ في الحسبان إلا المساعدات الحكومية، وبشكل خاص التبرعات القادمة من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، متجاهلاً تنامي دور المتبرعين من دول البريكس وغيرهم من الجهات الخاصة.

إن هذا الأمر يزيد من صعوبة إحراز تقدم نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الخاصة بالأمم المتحدة والمتمثلة بالحد من الفقر والجوع بحلول عام 2015. فإن لم يكن بمقدورنا أن نبين أين تذهب أموال المساعدات، كيف لنا أن نتمكن من تقييم مدى التقدم الحاصل ونسد الثغرات ونعوض التقصير؟ وفي هذا السياق اجتمع أبرز المتبرعين للمساعدات الإنسانية في مدينة بوزان في كوريا الجنوبية في منتدى رفيع المستوى بشأن مدى فعالية المساعدات. وخلال المؤتمر حث الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كيمون ووزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون وغيرهما على اعتماد منهجية أكثر شمولاً في المساعدات العالمية والخطوة الأولى التي ينبغي تطبيقها في هذا الشأن لتحسين نظام متابعة المساعدات. وأكثر الطرق منهجية لتعقب المساعدات اليوم هي الطريقة التي تتبعها لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن عدد الدول المنضمة إليها هو 23 دولة فقط. وتشير التقديرات الأولية لهذه اللجنة لعام 2010 إلى أن حجم المساعدات بلغ 129 مليار دولار – وتعتبر تقديرات هذه اللجنة أهم مؤشر مالي للمساعدات الإنسانية العالمية. لكن هذا لا يغطي إلا جزءاً من الصورة – ويغطيها بشكل مشوّش. وليس هذا خطأ تتحمل مسؤوليته أمانة اللجنة. بل يتعلق بقرار سياسي من أعضاء اللجنة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن ماهية المساعدات التي تؤخذ في الحسبان، وقرار سياسي من المتبرعين من خارج هذا النظام إن كانوا سيسعون لتسجيل مساعداتهم أم لا.

تتجاهل منهجية اللجنة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تبرعات الجهات الخاصة التي تشهد نمواً فائقاً بفضل مساهمات بل وميليندا جيتس ووارن بوفيت وكوكبة من المحسنين الأقل شهرة. بل الأسوأ من ذلك أن الدول غير الأعضاء في تلك اللجنة لا يشملهم الإحصاء النهائي مطلقاً. فإذا استخدمت جامعة السوربون أموالاً من الدولة الفرنسية، على سبيل المثال، لإعطاء منحة دراسية لشاب سنغالي، فهذا يعتبر مساعدة وفقاً لقواعد اللجنة، أما لو فعلت ذلك جامعة هارفارد أو جامعة يل، فلا يعتبر كذلك. وإذا ما قامت إحدى الدول الأعضاء في المنظمة بإعفاء مدين لها من دين ما أو بمنح قرض ميسر فهذا يعتبر مساعدة، أما المنحة الصريحة المباشرة من قبل مؤسسة أوكسفام أو الإغاثة الإسلامية أو منظمة أنقذوا الأطفال" فلا تعتبر كذلك. وإذا ما استثمرت مؤسسة جيتس مبلغ 100 مليون دولار في مبادرة كوفي عنان لإحداث ثورة خضراء في أفريقيا، فهذا لا يحسب ضمن المساعدات، لكن التبرع نفسه إن تم من قبل هيئات المساعدات حكومية في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة فهو يؤخذ بالحسبان كمساعدة. والغريب حقاً هو أن كثيراً من المساعدات الحكومية يتم إيصالها على الأرض عبر عمليات تديرها منظمات مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر وأطباء بلا حدود وكير وكل هذه التبرعات يتم احتسابها – رغم ان أعمالاً مماثلة لها تماماً تموّلها هذه المنظمات نفسها لا يتم احتسابها. أي أن المشكلة لا تتعلق بالمشروع وإنما بالجهة المتبرعة.

ما درجة التشوه في خريطة المساعدات؟

فقبل عدة سنوات، قدرت اللجنة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الأرقام الإجمالية للمساعدات ستزداد بنسبة 15 – 20 بالمئة إذا ما أضيفت إليها التبرعات الخاصة. وكان ذلك قبل أن تبدأ مؤسستا جيتس وبوفيت بتقديم ما يزيد على 4 مليارات دولار سنوياً – وهو ما يفوق المساعدات الحكومية المقدمة من دول إيطاليا وكندا وسويسرا وأعضاء آخرين في منظمة التعاون. كما تسقط من الأرقام النهائية أيضاً المبالغ الضخمة التي يقدمها متبرعون عرب عبر مؤسسات خاصة في دول الخليج. فدول منظمة الأوبك تقدم مساعدات تعادل 15-20 بالمئة من إجمالي المساعدات العالمية المقدمة كل سنة وفقاً لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نفسها. والصين التي باتت من المتبرعين العالميين الصاعدين، ليست ضمن المعادلة أصلاً، رغم أن بنك التنمية الصيني قدم العام الماضي قروضاً تفوق ما قدمه البنك الدولي.

ما هي أهمية احتساب المساعدات بشكل أفضل؟

أولاً هذا ضروري لإلزام المتبرعين بوعودهم. لأن من السهل على أي سياسي أن يطلق الوعود ثم لا يلتزم بها. ولدينا شاهد قوي على ذلك في قمة مجموعة الثماني التي عقدت في لاكويلا عام 2009. فبعد سنتين من تعهد المجموعة بتقديم 22 مليار دولار في شكل تمويلات جديدة على مدى ثلاث سنوات لمواكبة الارتفاع الحاد لأسعار الأغذية عالمياً، قدم المتبرعون أقل من 5 مليارات دولار مما وعدوا به. كما أن تطبيق الإصلاحات يمكن أن يحفز مزيداً من التبرعات لمبادرات مثل "تعهد العطاء" الذي أطلقته مؤسستا جيتس وبوفيت والذي يهدف إلى جمع 600 مليار دولار من أثرياء العالم. والأهم من ذلك ربما هو أن الإحصاء الدقيق يمكن أن يساعد في استخدام التبرعات بصورة أكثر فعالية. فلا يمكننا أن ننسق مع المتبرعين من الجهات الخاصة والمتبرعين الصاعدين كالصين إذا لم نتابع هذه التبرعات.

إن النظام الحالي لحساب المساعدات يعكس طابع اللجنة نفسها التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. هذه المنظمة منظمة محترمة جداً لكنها تبقى نادي "الزعماء الكبار" من الحكومات الثرية، وهي حكومات غربية وأوروبية بشكل رئيسي، وذلك في ظل اقتصاد عالمي تزداد هيمنة الدول الآسيوية على ساحته. لذلك حان الوقت لإعادة التفكير في معادلة حساب المساعدات. ويبدو أن لجنة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية متحمسة لتحقيق تقدم في هذا الشأن وتستحق التقدير على ما قامت به بالفعل من التواصل مع المتبرعين غير التقليديين كالصين والهند والبرازيل. إن خارطة المساعدات الإنسانية العالمية آخذة في التغير بسرعة ولقد آن الأوان لنتغير معها. قد نحتاج إلى نظام ثنائي للمتابعة بحيث يتعقب أحد مساراته المساعدات التنموية الرسمية والآخر يتعقب المساعدات التنموية الخاصة. ولن يكون من السهل التوصل إلى قواعد جديدة ويتوقف نجاح هذا المسعى على تعاون المتبرعين الصاعدين، لاسيما الصين ودول منظمة الأوبك، لكن حان الوقت لنبدأ بذلك.