25 Mar 2014

ديهاد 2014

أصحاب السعادة، الضيوف الأكارم، السيدات والسادة، يشرّفنا أن نرى اليوم بيننا هذا العدد الغفير من السيدات اللاتي يرسمن مستقبل المساعدات الإنسانية في العالم: - المفوضة الأوروبية جورجيفا، ممثلة الاتحاد الأوروبي،أكبر الجهات المانحة عالمياً. - صديقتي إريثريان كوزين ، رئيسة برنامج الغذاء العالمي، التي تترأس أكبر مؤسسة للمساعدات في العالم. - الشيخة لبنى،التي تتولى بجدارة واقتدار توجيه النمو المتسارع للمساعدات الخارجية التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة. أرحب بكم جميعاً في معرض ومؤتمر دبي الدولي للإغاثة والتطوير (ديهاد 2014)،وأرحب بكم أيضاً في إمارة دبي.

إنه لمن دواعي فخرنا واعتزانا العميقين أن نرى توسع نطاق المساعدات التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة،والتي كان أول من بدأها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،طيب الله ثراه. ووفقاً لنصيب الفرد، يُعتبر مواطنو دولة الإمارات اليوم من أسخى المانحين في العالم. ونحن نسعى لأن تكون هذه المساعدات موجهة وسريعة الاستجابة. لذا، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مؤتمر ومعرض ديهاد قبل أحد عشر عاماً ليكون منتدىً تلتقي فيه الجهات المقدمة للمساعدات والمسؤولون الحكوميون وممثلو القطاع الخاص للتفاعل والتحاور بغية الارتقاء بطريقة إيصال المساعدات التي نقدمها جميعاً. ولأن صاحب السمو الشيخ محمد رجل عملي، فقد بادر أيضاً بإنشاء المدينة الدولية للخدمات الإنسانية هنا في دبي، لتصبح الآن أكبر مركز دعم لوجستي للمساعدات في العالم، وكذلك مؤسسة دبي العطاء،والتي تركز اهتمامها بقوة على قطاع التعليم. فالنتائج هي المعيار بالنسبة له، أو كما يقول: "لقد تعلمنا من تراثنا أن نعطي بالأفعال لا بالأقوال، وبالمشاريع لا بالخطابات".

ويركز مؤتمرنا هذا العام على دور النساء في المساعدات الإنسانية. فكما نعلم جميعاً أنه في أي من الأزمات تكون النساء والأطفال أول المتضررين وأكثرهم تأثراً بها. ولا أدلّ على ذلك من النظر إلى مدينتيْ حمص وحلب في سوريا أو الصراع الأهلي المحتدم في اليمن وأفغانستان وباكستان،لنرى نماذج مؤلمة على ذلك. كما أن النساء والأطفال غالباً ما يكونون ضحايا للجوع والفقر المزمنين وسوء الرعاية الصحية وضعف التعليم والعنف والاستغلال. ومع ذلك،لم تكن للنساء حتى وقت قريب قدر كافٍ من المشاركة في رسم السياسات التي تستهدف معالجة هذه المشكلات.

لقد شاركت مؤخراً في نقاش بشأن أهم ما يمكن للمرأة أن تفعله في تعزيز أنشطة المساعدات الإنسانية، فقال أحد المشاركين مبتسماً: "الأمر بسيط، يمكنها أن تقنع الرجل". الواقع أن عالم السياسة لا يزال خاضعاً لهيمنة الرجال. لذلك، عندما يتسلل الإحباط إلى نفوسنا، يميل البعض من المدافعين عن هذه القضية للوقوع في فتنة تقريع الرجال. وغالباً ما تتبنى حملات جمع الأموال لمساعدة النساء والأطفال مثل هذه النبرة في ظل تنافس الكثير من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة على تبرعات الجهات المانحة، وهي في الحقيقة استراتيجية مبتذلة تفتقر للفعالية وتحقق نتائج عكسية،ولا تؤدي في النهاية إلا إلى عزل المرأة. وما ينبغي علينا هو أن نوصل المساعدات للنساء بما هن عليه - أفراد في أسر وعناصر في مجتمعات لها قيمها وتقاليدها – لا أن نعمل على عزلهن. فلننظر إلى ما يحدث لمشاريع المساعدات، عندما يتم اعتبارها بحق أو بغير حق على أنها أسلوب لفرض وجهة النظر الاجتماعية للجهات المانحة،فما يحدث هو فشل هذه المشاريع. وعندما يتم النظر إلى المساعدات كمصدر تهديد، لا يتم تسليم المعونات الغذائية واللقاحات الطبية، بل إتلافها،بينما يُقتل عمال المساعدات.

لكن، ما يدعو إلى التفاؤل هو وجود رجال لا يحتاجون لمن يقنعهم بأهمية دعم النساء والاستثمار في تطوير قدراتهن. ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة نفتخر ونعتز بأن صاحبيْ السمو الشيخ خليفة والشيخ محمد قدما نماذج يحتذى يها في دعمهما لتعليم المرأة وصحتها وتمكينها. ويؤكد هذا بما لا يدع مجالاً للشك الإحصائيات الصادرة بشأن دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي العام 1972، لم يكن عدد الفتيات المسجلات في المدارس هنا يتجاوز 19,000 فتاة. أما اليوم،تبلغ نسبة محو الأمية بين النساء 90%. ووفقاً لتقرير أصدرته مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز عام 2010 "سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة أعلى معدل لنسبة الإناث في التعليم الجامعي في العالم" وهي 77%.

وما كان للجدل الاقتصادي العالمي لزيادة التركيز على النساء والأطفال في جهود المساعدات التنموية أن يكون أشد قوة مما هو عليه الآن، لكننا نفقد الكثير والكثير من الإمكانيات البشرية بسبب الإهمال السياسي. دعونا نبدأ من منطقتنا؛ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي هذه المنطقة،تزهق يومياً أرواح أكثر من 100 امرأة حامل و2500 طفل دون سن الخامسة، أي أن 39,000 امرأة و923,000 طفل يموتون سنوياً. لماذا؟ لأن أنظمة الرعاية الصحية والغذائية خذلتهم. وما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا جزء صغير من اللوحة الكاملة. ويزداد العبء الذي يخلفه فشل أنظمة الرعاية الصحية في دول العالم النامية ثقلاً وتفاقماً. فهناك 780 مليون شخص يعانون من نقص اليود، ويولد نحو 20 مليون طفلاً مصابين باختلال عقلي بسبب ذلك، كما أن نقص فيتامين "أ" يؤثر على صحة 140 مليون طفل في سن ما قبل المدرسة. ويعاني حوالي ملياريْ شخص حول العالم من فقر الدم، وهو مرض يعيق النمو الذهني لنحو نصف أطفال دول العالم النامي. ووفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، يمكن لمجرد القضاء على نقص الحديد لدى النساء والأطفال أن يزيد الإنتاجية الاقتصادية لبعض الدول النامية بنسبة تصل إلى 20%. فتحسن صحة النساء والأطفال يعني تحسن صحة الاقتصادات والأسواق.

وما من مجال نجد فيه الرابط بين المرأة والتنمية الاقتصادية أشد قوة ووضوحاً من مجال الغذاء. فالمرأة هي مصدر التغذية – هذا أمر محفور بطبيعتنا وفي أرواحنا. فكل شخص منا يعلم أن المرأة هي الركن الأساسي للتغذية في الأسرة، لكن صناع السياسات لطالما أهملوا المرأة بصفتها منتجة للغذاء؛ فثمانية من كل 10 مزارعين في أفريقياً وستة من كل 10 في آسيا هن نساء، لكن كم عدد مشاريع المساعدات التي تركز فعلاً على تدريب وتمويل هؤلاء النسوة المغمورات وتقديم المساعدة الفنية لهن؟ حتى سنوات قليلة مضت، كانت الإجابة هي عدد محدود جداً. لكن بحمد الله بدأت الصورة تزداد إشراقاً مع تقدم مانحين رئيسيين، ولاسيما مؤسسة غيتس، لتتصدر جهود إيصال المساعدات للنساء المزارعات. وكان من المفترض أن يحصل هذا التغيير منذ وقت طويل؛ فلقد طلب مني الأمين العام للأمم المتحدة بصفتي سفيرة الأمم المتحدة للسلام أن أركز اهتمامي على الأهداف الإنمائية للألفية التي تهدف إلى الحد من الجوع والفقر.

ولقد شهدنا تقدماً سريعاً على جبهة محاربة الفقر، لكننا نتقدم ببطء شديد على جبهة الجوع، وأحد أسباب ذلك عجز الجهات المعنية بالمساعدات عن الوصول إلى النساء بطريقة أكثر فاعلية. لا تخطؤوا فهمي، فجذور الجوع واستمراره في المجتمعات الفقيرة يمكن أن تكون بالغة التعقيد، لكن وضع أدوات القضاء على الجوع في يد النساء الفقيرات قد يحقق النجاح. ففي الأسبوع الماضي، كنت في ليبيريا لزيارة مشاريع المساعدات التابعة لبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونيسيف ومنظمة الفاو. وكان لي بعد ذلك شرف اللقاء بالرئيسة سيرليف، أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في دولة أفريقية. إنها شخصية ملهمة بحق! وقد بيّنت كيف يمكن لدولة كانت تنوء بالصراعات وأعمال الكراهية أن تقف على قدميها من جديد. وتحدثنا عن كيفية عمل المرأة الليبيرية للقضاء على سوء التغذية، سواء بعملهن كمزارعات أو كراعيات لأسرهن؛ فهن يقمن بزيادة احتياطيات الحبوب استعداداً لموسم توقف الإنتاج وإعادة تأهيل حقول الأرز لزيادة الإنتاج. وفي أحد المشاريع، أعطيت الأمهات مساحيق تعزز الأغذية بالفيتامينات الأساسية والمعادن لإعطائها لأطفالهن. إنه إجراء بسيط، لكن إمكاناته كبيرة في التغلب على سوء التغذية المزمن الذي يعاني منه نصف الأطفال في أرياف ليبيريا. تعتبر ليبيريا من أفقر دول العالم، لكنها تحمل رسالة هادفة لنا جميعاً، وهي أنها عندما أشركت النساء في معركتها ضد سوء التغذية، تمكنت من خفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى في أفريقيا. والرسالة هنا في غاية البساطة: المرأة يمكن أن تقدم الحل.