13 Nov 2014

صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا تفتتح المنتدى العالمي للأطفال في دبي

صاحبة الجلالة الملكة سيلفيا ملكة السويد

أصحاب السمو الملكي

أصحاب السمو

أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة

الضيوف الأكارم

إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم صباح هذا اليوم في هذه الفعالية، نيابة عن دولة الإمارات العربية المتحدة. نحن نفتخر بأنكم قد اخترتم عقد اجتماعكم الأول للمنتدى العالمي للأطفال خارج حدود ستوكهولم، هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة.

يتمحور جلّ اهتمام دولة الإمارات حول المستقبل، والمستقبل هو الأطفال. فلا يوجد اليوم بلد أكثر تفانياً من دولة الإمارات في توفير الفرص لهم ومساعدتهم على تحقيق إمكاناتهم.

وضعت الكثير من الدول الأطفال في مقدمة أولوياتها وأنا أفتخر بأن دولة الإمارات واحدة من هذه الدول. لقد كان هناك تقدم ملحوظ على المستوى العالمي فيما يخص خفض معدل الوفيات والأمراض بين الأطفال، بالإضافة إلى ضمان حصولهم على فرص التعليم المناسب.

وبعد عقود من التقدم الاقتصادي السريع في دولة الإمارات العربية المتحدة، لقد تطورت التحديات التي تواجه الصغار وهي شبيهة جداً بالتحديات التي يواجهها الأطفال في أوروبا وفي أمريكا الشمالية، وخاصةً الآثار السلبية التي تخلّفها الرفاهية على الصحة.

لقد تحسنت صحة الأطفال في الإمارات بشكلٍ هائل منذ الاتحاد في عام 1971، على الرغم من وجود بعض الشرائح السكانية التي ما زالت تحتاج إلى تحسين الصحة والتغذية. لقد شهدنا انخفاضاً في معدل وفيات الرضع من 18 حالة لكل ألف ولادة حية في عام 1990 إلى ست حالات في عام 2010. كما انخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة لكل ألف ولادة من 22 حالة في عام 1990 إلى سبع حالات في عام 2010. كما حققت الإمارات الهدف الخامس من الأهداف الإنمائية للألفية والمتعلق بتحسين صحة الأم، حيث أصبح معدل وفيات الأمهات لكل 100 ألف ولادة منذ 2004 صفراً.

كما أن سياسات دولة الإمارات المعنية بتوسيع نطاق التحصين والقضاء على الأمراض المعدية وتعزيز البرامج الصحية للأطفال قد نجحت إلى حدٍ كبير. ومن خلال البرنامج الموسع للتحصين، فقد تجاوز النطاق الكلي لجميع التحصينات نسبة 90% منذ عام 2000. وتم القضاء على مرض شلل الأطفال في عام 1994 ومرض الدفتيريا في عام 1990.

أما على صعيد التعليم، فإن الأخبار تبشّر بالخير، وخاصةً فيما يتعلق بالفتيات والسيدات. إذ ليس هناك تفرقة بين الذكور والإناث في حقهم بالتعليم في دولة الإمارات، لا بل العكس، حيث تسجِّل الإناث معدلات أعلى من الذكور في الالتحاق بجميع المراحل التعليمية، وهذا بدوره يضع الإمارات على المسار الصحيح لتحقيق المساواة بين الجنسين في هذا المجال. كما أن التعليم مجاني وحتى المرحلة الجامعية، والتي تحتوي على إحصاءات ممتازة بالنسبة للجنسين. ويسعدنا كثيراً أن الإمارات لديها النسبة الأعلى من الشابات الملتحقات بالدراسات العليا في العالم.

ولكن من ناحية أخرى، ما زالت هناك جوانب قابلة للتطوير. فقد ساهمت الأنظمة الغذائية غير الصحية وقلة التمرينات الرياضية في تفشي مرض السكري والأمراض الأخرى غير المعدية في شتى أرجاء منطقة الخليج، وتبدأ هذه المشاكل في مرحلة الطفولة. ونحن بحاجة إلى أساليب أكثر ابتكاراً للوصول إلى النظام الغذائي الصحي وممارسة الرياضة وإشراك أطفالنا فيها. لقد أحرزنا تقدماً في نشر الوعي من خلال حملة "Fat Truth" التي بدأناها مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" لتشجيع النشاط البدني والتغذية السليمة بين الشباب الإماراتي. ولكن ما زال أمامنا الكثير حتى نحقق أثراً أكثر استدامة.

واستشرافاً للمستقبل، فقد تم تطوير الاستراتيجية الوطنية العشرية للطفولة 2012/2021 لدولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع المجلس الأعلى للأمومة والطفولة (المؤسسة الأم للأطفال وحقوق الطفل في دولة الإمارات) واليونيسف. وتتضمن هذه الاستراتيجية أربعة محاور مترابطة بشأن حقوق الطفل، وهي: البقاء والتنمية والحماية والمشاركة. كما تأسست منظمات غير حكومية محلية أيضاً بهدف حماية حقوق الطفل ورفاهيته، مثل مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، وهي أول دار رعاية مرخصة غير ربحية تقدم الحماية الفورية والدعم لضحايا العنف وسوء المعاملة والاتجار بالبشر، وذلك وفقاً للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان. كما سنَّت الإمارات قوانين صارمة تحظر عمالة الأطفال والاتجار بالنساء والأطفال، وننتظر إقرار "قانون حماية الأطفال" في القريب العاجل والذي سيكون أكثر تفصيلاً. وما زلنا بحاجة لتحقيق المزيد في مجالات معينة، مثل تطوير الطفولة المبكرة وتوفير مساعدة أفضل لأصحاب الهمم.

هناك مئات الملايين من الأطفال حول العالم ممن حُرموا من الفرص التي تتوفر لنا بكل سهولة هنا في دولة الإمارات. فلا زالت مشكلات الفقر والجوع المستعصية - في إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى على وجه التحديد – تترك آثارها السلبية والضارة والتي بدورها تضع المزيد من العقبات في حياتهم. ولم نحقق بعد الأهداف الإنمائية للألفية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالأطفال، في العديد من البلدان.

من جانبها، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة الالتزام بمساعدة هؤلاء المحتاجين، وقد منحت العام الماضي أكثر من خمسة مليارات دولاراً كمساعدات خارجية، أو ما يقارب 1.25 بالمائة من إجمالي ناتجها المحلي، مما يجعلها الدولة الرائدة في العالم. أما الدول الأخرى الوحيدة التي حققت أهداف الأمم المتحدة لمساعدات التنمية أو تجاوزتها فتنحصر في السويد ودول الشمال وهولندا ولوكسمبورغ. وبإمكانك يا صاحبة الجلالة أن تشعري بالفخر والرضا تجاه السجل المتميز للسويد في مجال المساعدات الإنسانية والإنمائية على مر العقود.

لقد استُخدمت أموال المعونة المقدمة من الإمارات في تغطية تكاليف مشاريع في أكثر من 170 دولة، فنحن ننظر إلى التزاماتنا من منظور عالمي وليس فقط من منظور إقليمي. وقد اتخذت مبادرة "دبي العطاء" الخاصة والتي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، من مجال التعليم، بما في ذلك المساواة بين الجنسين، محور تركيزها الخاص. وقد تبرعت هذه المبادرة بمبلغ 139 مليون دولاراً تجاه المشاريع، وتم منح حوالي 66 مليون دولاراً للمبادرات في كل من أفريقيا وآسيا. وفي العام الماضي، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، عن تبرع بقيمة 120 مليون دولاراً لتعزيز التحصينات بعد تعهد مشترك سابق مع مؤسسة غيتس لمنح 100 مليون دولاراً لمشاريع التحصين في باكستان وأفغانستان. وقد وصلت المساهمات الكلية لدولة الإمارات العربية المتحدة والتحالف العالمي للّقاحات والتحصين 33 مليون دولاراً، بينما بلغت المساهمات المقدمة إلى اليونيسف لدعم القضاء على مرض شلل الأطفال 8.7 مليون دولاراً.

أما معونة الأطفال اللاجئين السوريين والفلسطينيين فقد وصلت إلى عشرات الملايين من تبرعات الإمارات والتبرعات الخاصة، وقد وصلت حملة "سلام يا صغار" للتعليم والصحة التي أطلقتها الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي إلى قيمة 15 مليون دولاراً.

وأخيراً، لقد كان دعم دولة الإمارات للأطفال الأيتام سخيّاً على وجه الخصوص، حيث تم التبرع بمبلغ 188 مليون دولاراً منذ العام 2011 وذلك لغايات الإسكان والتعليم والصحة، وتم التبرع ب 89 مليون دولاراً منها خلال العام الماضي فقط.

وكثيراً ما تهتم المبادرات الدولية المعنية بحقوق الطفل بالعبارات الرنانة بدلاً من التحسين على أرض الواقع، فهناك تاريخ طويل من الإعلانات والقرارات والحملات التي لم يكن لها تأثير ملموس في حياة الأطفال. لا شكّ أن هناك تقدم ملحوظ في مناطق كثيرة في العالم، ولكننا نتجاهل بكل سهولة بعضاً من أبشع الانتهاكات في حقوق الأطفال، خاصةً عندما تحجب السياسة بصرنا عن الحقيقة.

إن الحق الأساسي من حقوق الطفل - حق الحياة – قد تم انتهاكه بشكل صارخ في هذا العام في الشرق الأوسط، في سوريا والعراق وغزة. فقد راح ضحية الصراعات الدائرة في تلك الدول الكثير من الأطفال، وأسوأ تلك الانتهاكات وقع في صيف هذا العام في غزة عندما قُتل 490 طفلاً فلسطينيّاً، كما تيتم 560 وجُرح 3000 إثر القصف الإسرائيلي، ولقي طفل واحد مصرعه في إسرائيل أيضاً. وحتى مع سريان الهدنة، من المؤكد بأن المذبحة لم تنتهِ بالنسبة لأطفال غزة، إذ تفيد إحصاءات اليونيسف أن هناك أكثر من 450 ألف طفل يعيشون الآن في مناطق تحتوي على ذخائر غير منفجرة.

وعلى الرغم من تصاعد صيحات الغضب من جميع البلدان الرئيسية تقريباً عندما قُصفت ملاجئ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، إلا أن الأمر مرّ وكأن شيئاً لم يكن، ولم تصدر أي عقوبات من الأمم المتحدة أو القوى العظمى. بل إن بعض وسائل الإعلام الغربية واصلت ادعاءاتها بأن هؤلاء الأطفال اُستغَلُّوا بطريقةٍ ما "كدروع بشرية". يُذكر أنه تم تفجير الأطفال حتى أثناء اللعب على الشاطئ.

كيف لهؤلاء الأطفال أن يكونوا دروعاً بشرية؟ إن غزة منطقة محاصرة صغيرة للغاية، بل إن مساحتها تقلصت أكثر الآن لدرجة أن أربعين بالمائة منها عبارة عن منطقة عازلة. فإذا قصفت المنطقة ومنعت النساء والأطفال من الهروب، فأنت تجعل موتهم حتميّاً.

غير أن معاناة الأطفال في غزة لا تنحصر فقط في أوقات القتال. لقد ركزتُ بدوري كمبعوثة للسلام للأمم المتحدة على الأهداف الإنمائية للألفية، وبالتحديد الأهداف الخاصة بالقضاء على الجوع وسوء التغذية. ففي معظم البلدان التي زرتها، كان الجوع والفقر نتيجة للأنظمة الاقتصادية الفاشلة والتدهور البيئي ونقص البنية التحتية، ولكنهما لم ينشآ بصورة مفتعلة كعقاب جماعي كما هو الوضع في غزة.

وفقاً للأمم المتحدة، "إن القيود والحصار المفروضين من قبل السلطات الإسرائيلية على الفلسطينيين قد أدوا إلى عجز 1.3 مليون فلسطيني عن تحمل نفقات الغذاء الأساسية." بل إن الوضع أسوأ في غزة، إذ يعتمد ستة من بين عشرة أشخاص على معونة الطوارئ الغذائية للبقاء على قيد الحياة.

وقد وجدت منظمة الصحة العالمية أن نصف الأطفال ما دون الثانية من العمر في الضفة الغربية وغزة يعانون من فقر الدم، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة فقر الدم بين السيدات الحوامل. وفي مايو 2012، صرَّحت منظمة الصحة العالمية أن حالة سوء التغذية وتوقف النمو بين الأطفال لا تشهد تحسناً. وفي الحقيقة، يعاني نصف عدد الرضع في فلسطين اليوم من سوء التغذية.

سؤالي إليكم: هل سيكون هذا مقبولاً في ستوكهولم أو بروكسل أو نيويورك؟

أوجه تحياتي وتقديري لحكومة السويد على اتخاذ خطوة فعلية نحو السلام من خلال اعترافها بفلسطين. ونحن في حاجة إلى أن تُظهِر المزيد من الدول ما أبديتموه من شجاعة وتعاطف.

علينا أن ندافع عن حقوق الطفل حتى عندما تتحالف أكبر القوى العسكرية والسياسية ضدنا. صاحبة الجلالة، أعلم أنكم وشعب السويد لديكم هذه الدرجة من الالتزام، وأنا أحييكم على ذلك، وأتمنى لكم منتدى مثمراً للغاية.

وشكراً لكم.

-انتهى-