20 Oct 2015

صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا تلقي الكلمة الافتتاحية في قمة "بيوند سبورت" في لندن

الضيوف الأكارم؛

السيدات والسادة؛

إنه لشرفٌ كبير أن تُتاح لي فرصة الانضمام إليكم اليوم. وكم هو رائع أن أرى الكثير من الوجوه المألوفة في عالم الرياضة.

وإنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم هنا في لندن، وسط الأجواء المثيرة التي تحيط ببطولة كأس العالم للرجبي التي أسَرَت قلوب الجماهير حول العالم، وبثت روح الحماس في شعوب الفِرَق المشارِكة، وشهدت تحقق الأحلام واتخاذها كمؤشر للمجد عند البعض.

ولندن حقاً واحدة من أعظم المدن في العالم، فإنها مدينة تُقدّم وتستضيف بانتظام بعضاً من أرقى الرياضات العالمية.

وقد استضافت لندن الألعاب الأولمبية على نحوٍ لم يسبق له مثيل. ومثلما حدث مع الملايين حول العالم، فقد أسَرَتني لندن في عام 2012، إلى جانب غرينيتش بالطبع، التي سيكون لها دوماً مكاناً خاصاً في قلبي.

غير أن هذا التميز لا يقتصر فقط على الدرجة العالية من التنظيم، بل يشمل أهل لندن أيضاً. فالمملكة المتحدة لديها تاريخ وتراث زاخر ومتنوع، ليس فقط في مجال الرياضة، ولكن في الروح الرياضية. لقد أظهر أولمبياد لندن 2012 ذلك وقد أبدى اللندنيون نفس الروح الرياضية في ملاعب الرجبي طوال تلك البطولة.

السيدات والسادة، نجتمع اليوم في هذا المنعطف الحرج لقضية الحوكمة في القطاع الرياضي. فلم يسبق لنا أن رأينا الحوكمة الرياضية تُناقش على الصفحات الأولى من الصحف الوطنية ومباشرةً على التلفاز. لكن، لا شك أن ما يحدث في "محكمة الرأي العام" فيما يتعلق بأكثر الرياضات شعبية في العالم له أثر علينا جميعاً. إن العالم يشاهد الحوكمة الرياضية بشكل مختلف عن ذي قبل، وبالنسبة للهيئات الإدارية الرياضية، قد يكون هناك بعض المواضيع الأكثر أهمية لطرحها اليوم في هذه القاعة، وأنا ممتنة للحصول على الفرصة بالمشاركة في النقاش.

خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرمة، وبينما كنت أشاهد الفوز الصعب الذي أحرزه فريق سبرينغبوك في الربع النهائي في تويكنهام ليلة السبت الماضي، تذكرت انتصار جنوب إفريقيا التاريخي في بطولة كأس العالم للرجبي في عام 1995.

كما ذكّرنا مورجان فريمان ومات ديمون بهذه اللحظات، ولكننا لا يمكن أن ننسى أبداً صورة نيلسون مانديلا وهو يرتدي قميص فريق سبرينغبوك، ما يمثل رمزاً لهوية الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا وبالتالي رمزاً للمصالحة ولحظة أمل للعالم. فرنسوا، لم أنسَ أنك كنتَ هناك أيضاً!

لقد كانت هذه اللفتة بالنسبة للعديد من مواطني جنوب إفريقيا علامة تؤذن بالميلاد الحقيقي لبلدٍ متعدد الأطياف والألوان، والذي يُطلق عليه"Rainbow Nation" (بلد بأطياف قوس القزح) . أما بالنسبة للعالم، فقد كانت رمزاً رائعاً لقوة الرياضة، وقوة خير استطاعت أن تُظهر تأثيرها مراراً وتكراراً في مناطق جغرافية وظروف مختلفة في شتى أنحاء العالم.

إن الرياضة ليس بإمكانها أن تحل مشاكل العالم، ولكنها تستطيع أن تساعدنا على التوصل إلى حلول لهذه المشاكل. وقد كان بيير دي كوبرتان محقاً عندما قال إن الرياضة يمكن أن تساعد الشعوب لأن تفهم بعضها بعضاً.

ففي عام 1971، أدت مباريات تنس الطاولة بين لاعبي الولايات المتحدة والصين إلى نشوء علاقات دبلوماسية بين البلدين بعد أكثر من عقدين من العداء. وعندما عاد أحد اللاعبين إلى الولايات المتحدة، أخبر صحفيّاً حول ما تعلّمه من خلال تعاملاته ومواجهاته مع المنافسين الصينيين، حيث قال: "الناس هناك مثلنا تماماً؛ حقيقيون وصادقون، لقد كونتُ صداقات معهم."

وفي أولمبياد 1968 في مكسيكو سيتي، استخدم كل من تومي سميث وخوان كارلوس، الأمريكيان من أصل إفريقي الحائزان على ميداليات، قوة الرياضة عندما رفعا قبضة يديهما في تحية ترمز لقوة السود خلال حفل توزيع الميداليات وذلك تعبيراً عن مناهضتهما للعنصرية.

إن الاهتمام الدولي يؤدي إلى التغيير الإيجابي خارج عالم الرياضة، حيث يتفق المؤرخون أن ألعاب 1988 الأولمبية في العاصمة سيول سرَّعت من تحول كوريا الجنوبية من نظام عسكري إلى ديموقراطية مزهرة.

وفي ظل الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى التي يتم إحياؤها بكل أسى في المملكة المتحدة وأوروبا، ينبغي أن أشير إلى هدنة عيد الميلاد، عندما أقيمت مباراة كرة قدم في عيد الميلاد المجيد عام 1914، وعندما وضعت القوات البريطانية والألمانية أسلحتها جانباً وخرج الجنود من الخنادق وبدأت مباراة كرة قدم فيما بينهم. سواء كانت تلك الواقعة حقيقة أم خيال، لا تزال قوة الرياضة واضحة أمام الجميع، فإنها قوة تتجاوز الحدود والحواجز واللغات والأديان، وهي بذلك قوة تشجع على التواصل.

ومع مرور الزمن، فقد تعلّم الناس كيفية استخدام قوة الرياضة لدفع أجنداتهم الخاصة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو شخصية. ولكن، سيداتي وسادتي، ينبغي التنويه على أنه مع القوة تأتي المسؤولية. وبصفتنا إداريين رياضيين، وحيث أن الكثيرون منا هم رياضيين سابقين، فقد شهدنا وتذوقنا لمحات من سحر الرياضة ولذّة الأضواء. ولكني أعتقد أننا نحن، في هذه القاعة، الذين تقع علينا المسؤولية الكبرى، وعلينا أن نعمل بلا كلل أو ملل وأن ونركز على استخدام قوة الرياضة بِطُرق إيجابية بدلاً من استخدامها كوسيلة لتمجيد الذات.

ببساطة، لا يمكننا أن نستخف بالرياضة، فعلينا أن نعي تماماً أن الرياضة نفسها ليست "مجرد لعبة"، ولا يمكن اعتبارها رفاهية في أي مجتمع، بل هي استثمار هام للحاضر والمستقبل.

وفي حقيقة الأمر، ينص ميثاق الأمم المتحدة على أن الرياضة واللعب من حقوق الإنسان، وهي حقوق يجب حمايتها وفرضها في العالم أجمع. لقد كان والدي المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – يؤمن بقوة الرياضة، حتى أنه كان يقول لي إن الوزارات الثلاث الضرورية لأمن ورفاهية أي أمة هي وزارة التعليم ووزارة الرياضة ووزارة المالية، فهذه الوزارات هي وزارات الدفاع الحقيقية.

ولكن في الوقت الذي لم يسبق لقوة الرياضة أن كانت بمثل هذه الأهمية والحيوية، نجد أنفسنا في زمن تطغى فيه العناوين الرئيسية بأخبار تطعن بالهيئات المسؤولة عن إدارة أكبر الرياضات في العالم.

لا شكّ أن الرياضة معقدة وتنطوي على تناقضات، فهي يمكن أن تُبرز أفضل ما في المجتمع وأسوأ ما فيه أيضاً، وهي كالنار التي توفر الدفء للمنزل، ولكن إذا لم يتم التعامل معها بصورة صحيحة فإنها قد تهدمه. فالرياضة لديها القدرة على إحداث الفساد والتمييز والعنف والعنصرية والشغب والقومية، وأن تؤدي إلى تعاطي المنشطات والاحتيال.

والحقيقة هي أنه ينبغي علينا ألاّ نكون عاطفيين عند تعاملنا مع الإمكانات الإيجابية للرياضة، فهي لا تنشأ تلقائياً، ولكي نحصل على كامل الإمكانات الإيجابية في الرياضة، يجب على المعنيين بحوكمة الرياضة تقديم التوجيه والإرشاد.

كما ينبغي أن نعيد تكوين ثقة الجماهير في الحوكمة الرياضية. وعلينا أن نجتهد لتحقيق ذلك، حيث أن الحوكمة المسؤولة هي أمرٌ أساسي.

لن يكون الأمر سهلاً. صدقوني، فأنا أعلم جيداً كيف يمكن أن يتسبب القائد "المصلح" في فقدان شعبيته، ويبدو أنها قد أصبحت عادة في عائلتي، وأنا أعلم كم هو من الصعب أن يتم الدفع بالإصلاحات في وجه المقاومة.

عندما كان التعليق الوحيد من ابنتي التي تبلغ السابعة من العمر، بعد اطلاعها على عرضٍ للخيول لأول مرة، أنه ينبغي ألا أرتدي سترة الاتحاد الدولي للفروسية في المستقبل لأنها كانت تتسبب في استقطاب النظرات السيئة من الناس، علمتُ حينها أنه ما زال أمامي الكثير للقيام به! وقد كان ذلك خلال فترة هادئة نسبيّاً من رئاستي! عليكم فقط أن تستمعوا إليها أثناء حديثها مع عمها علي.

ولكن تبقى الحقيقة أن الحوكمة الأفضل فقط هي التي ستساعدنا على خدمة الرياضات التي نحبها بشكلٍ أفضل، مهما كان ذلك صعباً. وهذا ليس خياراً لنا بل واجباً علينا، فإن هذه هي مسؤوليتنا.

وهذا يعني، حضرات السيدات والسادة، أنه علينا أن نتحلى بالشجاعة بصفتنا قادة وألا أن نحصر أنفسنا في نظام عقيم بحيث لا يمكن للمنظمة أن تعمل بدوننا. يجب أن نجعل المنظمة قوية بما يكفي لتضم جيلاً جديداً من القادة يطرح أفكاراً ويطلق طاقاتٍ جديدة.

ويقتضي ذلك أن نكون على استعداد لأداء مهمةٍ ما وأن ننسحب إلى الواجهة الخلفية، بدلاً من أن نسعى دوماً إلى الصدارة للتلذذ بالأمجاد التي يحققها الرياضيون الذين نخدمهم.

تعني الحوكمة السليمة أن تكون المناصب محددة بفترات زمنية، وأن يكون هناك وضوح في العمليات، ووضوح في المسار والتوجيه، وأحياناً أن نتحلى بقوة التحمل اللازمة للوصول إلى التغيير في الثقافة السائدة، حتى في وجه المعارضة الشديدة. وهذا يعني الإفصاح عن الرواتب، والتحلي بالشفافية أمام هؤلاء الذين يعطونا القدرة على تمثيلهم.

الرياضة لا توجد في فراغ. ولكي تحظى بمكانتها في العالم كشيء ذي قيمة وشيء يستحق الاهتمام وبذل المجهود، فإنها تحتاج إلى الحوكمة الجيدة والإدارة السليمة، وأن تكون النموذج الأمثل لابنتي ولأبنائكم وبناتكم ولجميع الأفراد الصالحين في كل مكان.

حضرات السيدات والسادة، نجتمع اليوم على خلفية أزمة إنسانية عابرة للقارات بمعدلات نادراً ما نراها في التاريخ الحديث.

إنها أزمةٌ تدق على أبواب أوروبا وأزمةٌ تستدعي اهتمام العالم.         

بينما نجتمع اليوم في لندن، في ظل الراحة المتوفرة لنا هنا في برج بي تي، هناك عائلات يائسة في أماكن أخرى في العالم تخوض مخاطر لا يمكن تصورها للهروب من الصراع والأزمات. والكثير منهم قد يفقدون حياتهم أثناء ذلك.

في ظل هذه الظروف، قد يتساءل البعض: كيف نجرؤ أن نعقد اجتماعاً لنتحدث عن الرياضة؟

لقد فكرتُ ملياً في أسئلة من هذا النوع طوال حياتي. فأنا رياضية، ولاعبة أولمبية، وعملتُ لفترتين كرئيسة منتخبة لهيئة إدارية رياضية دولية، وهي الاتحاد الدولي للفروسية، وأنا أيضاً ناشطة في المجال الإنساني.

وهذه الأدوار لا تتعارض مع بعضها البعض. وحيث أني أنتمي إلى منطقة مضطربة إلى حدٍ كبير ومن جوانب عدة، فإنني أعي تماماً بأن هناك دائماً أمور وقضايا هامة وجديرة باهتمامنا وجهدنا وانشغالنا. لقد كرَّست جزءاً كبيراً من حياتي لمحاولة تلبية الاحتياجات حتى يكون العالم مكاناً أفضل، مثلما كرَّست الكثير من حياتي للرياضة، وقد شهدتُ بنفسي البرامج الرياضية الإيجابية في مخيمات اللاجئين وبين الأطفال المحرومين حول العالم.

ما تعلمته مع مرور الوقت هو أن وضع شغف الرياضة جنباً إلى جنب مع الشواغل الأخرى الملحة قد يكون محل شك فقط إذا ما كانت الرياضة نفسها محاطة بالشكوك، وعندما تختفي النظرة الإيجابية نحو الرياضة، فعندها تفقد الرياضة قوتها وتظهر التساؤلات حول قيمتها.

ولذلك أيها السيدات والسادة، تظهر مسؤوليتنا اليوم وفي هذه القاعة بأن نضمن استمرار قوة الرياضة وصحتها ومصداقيتها والإدارة السليمة لها في عام 2015. ينبغي أن تكون الرياضة قوة الخير التي يقتدي بها الأشخاص الصالحون.

وبالطبع، فالرياضة ليست ترياقاً لجميع المشكلات، ولكنني على يقين من قدرتها الحقيقية على جعل العالم مكاناً أفضل. ولذلك، لست هنا لأتساءل: "كيف نجرؤ" أن نتحدث عن الرياضة، ولكن لكي أضع أمامكم هذا التحدي لنفكر اليوم في السُبل التي نجرؤ من خلالها أن نضمن للرياضة بكافة أنواعها أن تكون قوة للخير بحيث يتم خدمتها وقيادتها بكل نزاهة.

يجب أن تُستخدم الرياضة كقوة للخير لصالح الرجال والنساء، والكبار والصغار، ولجميع الجنسيات والأعراق والخلفيات الاجتماعية والدينية، في وسط عالم يعج بالتعقيدات والصعوبات المتزايدة.

لقد انضممت إليكم اليوم لأني أؤمن بأنكم – جيل اليوم من القادة – لديكم مسؤولية كبيرة للوصول بالرياضة إلى أقصى قدراتها كدافع للتغيير الاجتماعي. إنه لشرفٌ لي أن أكون بينكم اليوم للنظر في مسار المستقبل، وأتمنى لكم التوفيق في المؤتمر.

وشكراً لكم.

-انتهى-