25 Nov 2015

كلمة صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا بنت الحسين خلال حفل العشاء الخاص بجمع التبرعات لصالح مؤسسة الجليلة

أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة؛

الضيوف الأكارم؛

السيدات والسادة؛

 

مساء الخير،

إنه لمن دواعي سروري أن أنضم إليكم في هذه الليلة، دعماً للقضية والمؤسسة القريبة جداً إلى قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وهي بالفعل قريبة من قلوبنا جميعاً في عائلة آل مكتوم، وأنا متأكدة من أنها تمس قلوب جميع الحاضرين هنا اليوم.

شاهدت واستمعت في كثير من الأحيان إلى صاحب السمو الشيخ محمد وهو يتحدث بالنيابة عن الناس الذين لا صوت لهم، حاملاً معه رسائل الفقراء والمحرومين والمضطهدين. فعندما يستيقظ في صباح كل يوم، إنه يسعى جاهداً لأن يولي اهتماماً إلى أقوالهم ويستمع إلى قصصهم. وهو لا يستخدم صوته فحسب، بل يُكرّس أفعاله أيضاً في سبيل خدمتهم، لأنه قادر على أن يكون جزءاً من الحل الذي يُغيّر من واقع حياتهم.

ولذلك، فقد كان إنشاء مؤسسة الجليلة للبحوث الطبية حلماً لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، من أجل تزويدنا جميعاً، نحن سكان دبي، بمنصة ووسيلة تمكننا من التعامل مع هذا الشيء الذي يؤثر علينا جميعاً.

إن الحقيقة المحزنة هي أن معظم الحاضرين هنا الليلة قد عانوا بطريقة أو بأخرى داخل أسرهم من مأساة الأمراض المستعصية؛ وعذاب الأمراض المنهكة؛ وألم الحياة القصيرة التي تنتهي سريعاً. وقد يكون هناك عدد قليل منا من الذين لا يقدرون أهمية البحوث الطبية وتبعاتها، على المستوى الشخصي.

لقد اختار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تسمية هذه المؤسسة باسم ابنته، باعتبار ذلك رمزاً لما يعنيه كل طفل بالنسبة لوالديه. ومثل العديد من الحاضرين هنا هذا المساء، فإن أول صلاة شكر منا في كل ليلة تكون حتماً من أجل صحة أطفالنا.

وبغض النظر عن الاختلاف النسبي فيما يخص الامتيازات والموارد المتاحة للكثير من الحاضرين في هذه القاعة، فإنه ليس سراً أن الصحة الجيدة ما زالت مثل ورقة اليانصيب لأي منا، كما هو الحال للأشخاص الذين لهم مكانة خاصة في قلوبنا. حيث أن أمراض السرطان والسكري وكذلك أمراض القلب والأوعية الدموية لا تفرق ولا تميز بين أحد، كما يبدو أن الأمراض النادرة والمستعصية تُصيب الأشخاص بشكل عشوائي.

وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي يتم إحرازه في مجال الأبحاث يومياً، تبقى الأبحاث الطبية هي أقصى ما انتهى إليه العلم بالنسبة للإنسانية، وقد يكون أولئك الذين يعملون على تطوير البحوث الطبية وتطبيقها هم بعض من آخر الرواد العظماء.

كما أن البحث الطبي هو عملية مستمرة، لأن السعي الدائم واللامحدود في مجال الأبحاث الطبية قد يُغيّر من حياتنا. ومع ذلك، فإن تكلفة الأبحاث الطبية ليست زهيدة، وفي كثير من الأحيان، لا توفر هذه الأبحاث عائداً استثمارياً كافياً بشكل سريع- حيث أنه لا يوجد لديها عائداً مالياً، وقد لا تساهم في توفير الوقت أو إدرار الفائدة فيما يخص الموراد. ومع ذلك، فإن الاستثمار في البحث الطبي هام جداً، والالتزام به أمر حاسم. فهو يعتبر استثماراً متميزاً للغاية ومفيداً جداً للتنمية المستدامة لوطن صحي.

إن أمراض السكري والبدانة وأمراض القلب والأوعية الدموية والصحة العقلية جميعها تحوم حولنا إذ أنها تتزايد في جميع أنحاء العالم، ولكنها أيضاً في تزايد أكبر في المنطقة. ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة هارفارد، فإن الأمراض غير المعدية ستنعكس على الاقتصاد العالمي بكلفة تُقدّر بأكثر من 30 تريليون دولاراً خلال السنوات العشرين المقبلة.

وتصل الأمراض غير المعدية والأمراض المتعلقة بنمط الحياة إلى أبعاد وبائية، ولذلك، هنالك حاجة ماسة لإيجاد الحلول من أجل معالجتها، لأنها لا تضع عبئاً عالمياً على الاقتصاد فحسب بل تؤثر على جودة الحياة أيضاً.

وعلى الرغم من أننا لا نستطيع التخلص من التكاليف المرتبطة بمعالجة الأمراض غير المعدية أو التخلص من أثر هذه الأمراض، فإنه يمكننا بكل تأكيد أن نعمل بشكل أكثر فعالية على الاستثمار في الأبحاث لتخفيف الأعباء الناتجة عن تلك الأمراض على المدى الطويل. ولكن ما هو أهم من ذلك الآن هو وجود مؤسسة في دبي تعمل كوسيط لتحسين حياة البشر.

لقد مرت ثلاث سنوات منذ أن أعلن صاحب السمو الشيخ محمد عن إنشاء هذه المؤسسة.

والآن، تُنشئ مؤسسة الجليلة أول مركز مستقل ومتعدد التخصصات للأبحاث الطبية الحيوية في دولة الإمارات العربية المتحدة. سيجمع هذا المركز المتطور الذي تُقدّر قيمته بنحو 200 مليون درهماً، علماء بارزين من جميع أنحاء العالم من أجل محاولة التوصل إلى علاج الأمراض ومنها أمراض السرطان والقلب والأوعية الدموية والسكري والسمنة والصحة العقلية. إذ أن الإمكانات التي تتمتع بها هذه المؤسسة كبيرة، وآثارها مذهلة.

وقد نجحت المؤسسة في إجراء أول بحث دولي خاص بها. وتم منح أول زمالة للتدريب على الأبحاث الطبية لمواطن إماراتي واعد وهو الدكتور شهاب الأنصاري، ليتدرب في مؤسسة كليفلاند كلينك في الولايات المتحدة الأمريكية. كما قدمت المؤسسة 15 منحة تنافسية للأبحاث بواقع 3.85 مليون درهماً.

كما تم منح أول زمالة دولية للمبادرات الطلابية في مجال البحث العلمي إلى الدكتور عجلان الزاكي في جامعة بنسلفانيا، وهو أيضاً يُعتبر مشروعاً إماراتياً ناجحاً حيث حقق النمو والتدرج في المجال الطبي.

وأطلقت المؤسسة مؤخراً، في شهر يوليو الماضي، أول وقفية تهدف إلى تمويل الأبحاث الطبية في دولة الإمارات، باسم "وقف الورقاء"، وقد أثرت المؤسسة في حياة الكثيرين، صغاراً منهم وكباراً، ممن سبق أن فقدوا الأمل في عيش حياة طبيعية.

إليكم البعض من هذه القصص، فمثلاً هناك "هانا" وهي فتاة فلبينية تبلغ من العمر ثلاثة سنوات، قد أصيبت بالتهاب السحايا منذ الولادة، مما أدى إلى إصابتها بالصمم. ومع ذلك، وبعد إجراء عملية زراعة القوقعة بنجاح، فقد أصبح بإمكانها أن تسمع الآن.

أو قصة "سهى" وهي فتاة أردنية تبلغ من العمر خمسة عشر ربيعاً، وقد تلقت أطرافاً صناعية، بعدما بُترت أطرافها إثر حادثٍ مروري، ويمكنها الآن المشي.

أو "حمدان" العُماني البالغ من العمر ثمانين عاماً، الذي أجرى جراحة متخصصة في العمود الفقري ويستطيع المشي الآن.

لقد أنشأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مؤسسة وهبت الحياة للأعمال البحثية. وفي هذه الليلة، يمكننا جميعاً أن نلعب دوراً في هذه المؤسسة المعجزة؛ حيث يمكننا أن نضع بصماتنا، وأن نوفر الأدوات والموارد اللازمة لمساعدة الجهود البحثية.

كما يمكننا تسليط الضوء على الأسئلة الغير مُجاب عليها؛ وأن نحقق الريادة لمستقبلٍ جديد؛ وأن نكون جزءاً من حكاية بحيث لا يضطر أطفالنا إلى قبول نفس احتمالات اليانصيب الخاصة بالمرض أو الأسوأ منها، على غرار ما نفعله الأن. كما يمكننا أن نستثمر في عالم يشهد المزيد من الأجداد القادرين على رؤية أحفادهم يتزوجون أو يتخرجون من الجامعات، وأكثر من أي وقت مضى.

فمن خلال الأبحاث، يمكننا أن نفتح الباب أمام الأدوية واللقاحات والمعدات الطبية الجديدة. وقد يستغرق هذا الأمر بعضاً من الوقت، ولكنني أدعوكم لأن تتخيلوا معي ما يمكننا القيام به معاً لنُغيّر عالمنا. لأن كل هذا سيصبح ممكناً بمساعدتكم.

إن الأبحاث الطبية هي العمود الفقري للصحة المستقبلية لأي دولة، كما أن الشخص الريادي هو أيضاً شخص وطني يعشق بلده، وهو بالتالي شخص محب لأسرته وللإنسانية.

إنني أرى العديد من المرشحين الجيدين معنا في هذه الغرفة، والذين يمكنهم المساعدة في شق الطريق تجاه الآفاق الجديدة؛ بحيث تصبح استثماراتنا اليوم هي ثروتنا في الغد. وهم سيدعمون عالمنا، مادياً واقتصادياً وبيئياً.

إن الطريق أمامنا واضح. والأمر يعود إلينا جميعاً الآن لنقوم بالدور القيادي ونمسك زمام المبادرة. فالأمر لا يتعلق بالسير في رحلة البحث بقدر ما يتعلق بنتيجتها، وكما تعلمون جميعاً، فإن الرضا ينبع من المعرفة البسيطة بأننا قد بذلنا أقصى ما يمكننا إنجازه.

ولذلك فإنني أطلب منكم المساهمة في هذه القضية الجديرة بالاهتمام، وأدعوكم للانضمام إلينا في الرحلة الأكثر أهمية في الحياة؛ وهي رحلة نحو البحث لأجل الحياة.

وشكراً لكم.

-انتهى-